وهذا وجه لا يجوز لأحد القول فيه إلا ببيان رسول الله ﷺ بتأويله بنص منه عليه، أو بدلالة قد نصبها دالة أمته على تأويله (١).
ويشير الإمام الشاطبي في موافقاته إلى مسألة مهمة في وجوب الرجوع إلى السنة لفهم القرآن فيقول رحمه الله تعالى:
إن السنة توضح المجمل وتقيد المطلق وتخصص العموم، فتخرج كثيرا من الصيغ القرآنية عن ظاهر مفهومها في أصل اللغة، وتعلم بذلك أن بيان السنة هو مراد الله تعالى من تلك الصيغ، فإذا طرحت واتبع ظاهر الصيغ بمجرد الهوى صار صاحب هذا النظر ضالا في نظره، جاهلا بالكتاب، خابطا في عمياء، لا يهتدي إلى الصواب فيها، إذ ليس للعقول من إدراك المنافع والمضار في التصرفات الدنيوية إلا النزر اليسير، وهي في الأخروية أبعد على الجملة والتفصيل (٢).
ويأتي بعد هذين المصدرين المصدر الثالث وهو تفاسير الصحابة رضي الله تعالى عنهم، التي تقع في الدرجة الثالثة، والتي اشتملت على تفاسير كثيرة كانت الحاجة قد اشتدت إليها في زمانهم، لأسباب كثيرة منها (٣) :
اتساع رقعة الإسلام، واختلاط العرب بغيرهم، مما أدى إلى اختلاط الثقافات الوافدة مع المسلمين الجدد بالثقافة الإسلامية وخاصة ثقافة أهل الكتاب اليهود والنصارى، وفلسفة الشرق المتمثلة بالمجوس وغيرها، ودخول أناس جدد من غير العرب في الدين الحنيف، ونشوء جيل من أبناء الصحابة رضي الله تعالى عنهم وغيرهم لم يعايشوا الوحي ولم يشهدوا وقائع التنزيل.
فهذه الأسباب وغيرها جعلت الحاجة ماسة إلى الرجوع إلى الصحابة رضي الله تعالى عنهم، لمعرفة الحق من الباطل، وتمييز الصحيح من غيره.
التفسير المأثور ليس محض نقل:

(١) انظر جامع البيان ١/٧٤. دار المعارف بمصر تحقيق أحمد شاكر.
(٢) انظر الموافقات في أصول الفقه ٤/٢١.
(٣) انظر مناهج المفسرين في عصر الصحابة ص ٤١.


الصفحة التالية
Icon