تجدر الإشارة والتنبيه هنا إلى أن التفسير بالمأثور لا يعني محض النقل، فلا يقال إنه لا جهد يذكر لمن يفسر به، وأن عمله مقصور على نقل الأقوال، وجمعها في مكان واحد، دون إعمال الفكر والتأمل، هذا غير صحيح، بل للعقل دخل فيه.
وذلك:
أن التفسير المأثور إن كان من النوع الأول وهو تفسير القرآن بالقرآن، فإنه لا يمكنه ذلك دون تأمل دقيق، وفكر ثاقب، سواء كان من باب تفسير آية بآية، أو من باب تفسير العام بالخاص والمطلق بالمقيد ونحو ذلك فكله يتوقف على التروي والتأمل، ولكن لا بد من أن نفرق بين تفسير القرآن بالرأي، وبين استخدام العقل في بيان تفسير القرآن بالقرآن، فتأمل (١).
وإن كان من تفسير النبي صلى الله عليه وسلم، أو الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فإن للعقل أيضا دخلا في تمييز الصحيح من غيره، وتمحيص الروايات، والموازنة والترجيح، لينقل نقل المتدبر المتبصر، ولا يكون كحاطب ليل فينقل ما صح وما لم يصح، أو يضع الشئ في غير موضعه!! كما هو شأن بعض التفاسير التي ملئت بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، وبالإسرائيليات الباطلة التي لا يؤيدها شرع ولا عقل.
ولذا فإنا حينما ندعو إلى اعتماد المأثور، لا نريد بذلك اعتماده على كل حال وكيفما ورد، إنما نريد اعتمادا قائما على النظر والتأمل والتمحيص والنقد.
المبحث الأول
موقف العلماء والباحثين منه

(١) ولذا فإنه لا يقطع بصحة هذا اللون من التفسير إلا إذا كان الذي فسر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو وقع عليه الإجماع، أو صدر عن أحد الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولم يعلم له مخالف. انظر قواعد التفسير ١/١٠٩.


الصفحة التالية
Icon