على الرغم من أهمية التفسير بالمأثور ـ كما تقدم ـ وبُعْد منزلته، وعلو رتبته، نجد أن من بين الباحثين من يقلل من شأنه، بل ويرفض الاعتماد عليه، أو الانطلاق منه، وعليه فإن كلمة الباحثين لم تتفق على قبول هذا اللون من التفسير، ولم تعتمد عليه ليكون ركيزة الانطلاق في فهم مراد الله تعالى، ولكن هل يفهم من ذلك أن أدلة الفريقين متكافئة؟
هذا ما سنعرضه في هذا المبحث، ولنبدأ مع القائلين بالرفض، وذلك بعرض مستندهم فيما ذهبوا إليه، ثم نعرض أدلة الفريق الثاني فالمناقشة والترجيح، وبذلك تكون المطالب ثلاثة وهي:
المطلب الأول: موقف الرفض ومستنده.
يمكن أن نقسم الذين تحفظوا من التفسير بالمأثور إلى قسمين:
القسم الأول: هم الذين قالوا: إن أكثر التفسير بالمأثور قد دخله الدخيل، والتبس الصحيح منه بالعليل، ولم يصح منه إلا النزر القليل، كما وإن عامته منقول من كتب بني إسرائيل، ولذا فقد أطلقوا القول في رده، وعدم قبوله (١).
وجواب هؤلاء أنا نسلم أن التفسير بالمأثور قد دخل فيه الدخيل، ولكن لا نسلم أنه لم يصح منه إلا القليل، بل قد صح منه قدر لا بأس به، وإن جهابذة العلماء قد ميزوا الصحيح من غيره، ونخلوا ذلك وغربلوه كما صنعوا مع الحديث الشريف، على أن دراسة منهج الأسانيد والمتون لدى النقاد المتبصرين كفيل ببيان الصحيح من غيره، فما صح من ذلك أخذ وعمل به، وما لم يصح رد وطرح (٢).
وأما القسم الثاني: فهم الذين رفضوا التفسير بالمأثور، ولم يلتفتوا إلى تقسيمات العلماء له على نحو ما تقدم، وأغلب هؤلاء من الحداثيين ـ على تفاوت منهم في ذلك ـ، ومثلهم من يسمون أنفسهم بالقرآنيين وأضرابهم.
(٢) انظر السابق ٢/٢٢ فقرة (وكلمة الإنصاف أن التفسير بالمأثور نوعان).