وهم مأمورون بكف الأيدي، فلما جاء العمل الثاني ضعفوا عنه كل الضعف.
ونظير هذا ما عاتب الله به أهل أُحد في قوله: ﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾، [آل عمران: ١٤٣]، وقد كشف هذا المعنى كل الكشف قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً﴾، [النساء: ٦٦]، لأن فيه تكميلاً للعمل الأول، وتثبيتاً من الله، وتمرناً على العمل الثاني.
ونظيره قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ {٧٥﴾ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴿٧٦﴾ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِم}، [التوبة: ٧٥/٧٧]، . فالله أرشد العباد أن يكونوا أبناء وقتهم، وأن يقوموا بالعمل الحاضر ووظيفته، ثم إذا جاء العمل الآخر صار وظيفة ذلك الوقت، فاجتمعت الهمة والعزيمة الصادقة عليه، وصار القيام بالعمل الأول معيناً على الثاني، وهذا المعنى في القرآن كثير.
وأما الأمور المتأخرة فإن الله يرشد العاملين إلى ملاحظتها لتقوى هممهم على العمل المثمر للمصالح والخيرات. وهذا كالترغيب المتنوع من الله على أعمال الخير، والترهيب من أفعال الشر، بذكر عقوباتها، وثمرتها الذميمة.
فاعرف الفرق بين النظر إلى العمل الآخر الذي لم يجىء وقته، وبين النظر إلى ثواب العمل الحاضر الذي كلما فترت همة صاحبه، وتامل ما يترتب عليه من الخيرات استجد نشاطه، وقوي عليه وهانت عليه مشقته، كما قال تعالى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ