عالماً أنه لا يكشف ما به من السوء إلا الله، وهذا دعاء عبادة.
وقوله: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً﴾ [لأعراف: من الآية٥٥]، يدخل فيه الأمران، فكما أن من كمال دعاء الطلب، كثرة التضرع والإلحاح، وإظهار الفقر والمسكنة، وإخفاء ذلك وإخلاصه، فكذلك دعاء العبادة فإن العبادة لا تتم ولا تكتمل إلا بالمداومة عليها ومقارنة الخشوع والخضوع لها وإخفائها، وإخلاصها لله تعالى.
وكذلك قوله عن خلاصة الرسل: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً﴾،
[الأنبياء: من الآية٩٠]، فإن الرغبة والرهبة وصف لهم كلما طلبوا وسألوا، ووصف لهم كلما تعبدوا وتقربوا بأعمال الخير والقرب.
وقوله: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّه﴾ [المؤمنون: من الآية١١٧]، ﴿فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً﴾ [الجن: من الآية١٨]، ﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ﴾ [القصص: من الآية٨٨]، يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة.
فكما أن من طلب من غير الله حاجة لا يقدر عليها إلا الله فهو مشرك وكافر، فكذلك من عبد مع الله غيره فهو مشرك وكافر.
ومثله: ﴿وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ﴾،
[يونس: ١٠٦]، كل هذا يدخل فيه الأمران.
وقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [لأعراف: من الآية١٨٠]، يشتمل دعاء المسألة ودعاء العبادة.
أما دعاء المسألة: فإنه يسأل الله تعالى في كل مطلوب باسم يناسب ذلك المطلوب ويقتضيه، فمن سأل رحمة الله ومغفرته دعاه باسم الغفور الرحيم. ومن سأل الرزق سأله باسم الرزاق، وهكذا.
وأما دعاء العبادة: فهو التعبد لله تعالى بأسمائه الحسنى، فيفهم أولاً معنى ذلك الاسم الكريم، ثم يديم استحضاره بقلبه، حتى يمتلئ قلبه منه.
فالأسماء الدالة على العظمة والجلال والكبرياء تملأ القلب تعظيماً


الصفحة التالية
Icon