الرحمة على ذلك كله، ثم استدللت بسعة رحمته على أن شرعه نور ورحمة. ولهذا يعلل الله تعالى كثيراً من الأحكام الشرعية برحمته وإحسانه لأنها من مقتضاها وأثرها.
ومنها قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ [النساء: ٥٨] فإذا فهمت أن الله أمر بأداء الأمانات إلى أهلها: استدللت بذلك على وجوب حفظ الأمانات، وعدم إضاعتها والتفريط والتعدي فيها، وأنه لا يتم الأداء لأهلها إلا بذلك.
وإذا فهمت أن الله أمر بالحكم بين الناس بالعدل، استدللت بذلك على أن كل حاكم بين الناس في الأمور الكبار والصغار، لابد أن يكون عالماً بما يحكم به: فإن كان حاكماً عاماً، فلابد أن يحصل من العلم ما يؤهله إلى ذلك، وإن كان حاكماً ببعض الأمور الجزئية كالشقاق بين الزوجين، حيث أمر الله أن نبعث حكماً من أهله وحكماً من أهلها، فلا بد أن يكون عارفاً بهذا الأمور التي يريد أن يحكم فيها، ويعرف الطريق التي توصله إلى الصواب منها.
وبهذا بعينه نستدل على وجوب طلب العلم، وأنه فرض عين في كل أمر يحتاجه العبد، فإن الله أمرنا بأوامر كثيرة ونهانا عن أمور كثيرة.
ومن المعلوم أن امتثال أمره واجتناب نهيه يتوقف على معرفة المأمور به والمنهي عنه وعلمه، فكيف يتصور أن يمتثل الجاهل الأمرَ الذي لا يعرفه، أو يتجنب النهي الذي لا يعرفه؟
وكذلك أمره لعباده أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، يتوقف ذلك على العلم بالمعروف والمنكر، ليأمروا بهذا وينهَوْا عن هذا، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يحصل ترك المنهي عنه إلا به فهو واجب.
فالعلم بالإيمان والعمل الصالح متقدم على القيام به، والعلم بضد ذلك متقدم