نسخه لما ينسخه من آثار قدرته وتمام ملكه، فإنه تعالى يتصرف في عباده، ويحكم بينهم بأحكامه القدرية وأحكامه الشرعية، فلا حجر عليه في شيء من ذلك.
ولما قال: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١١٥] قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ١١٥] أي: واسع الفضل، واسع الملك، جميع العالم العلوي والسفلي بعض ملكه، ومع سعته في ملكه وفضله فهو محيط علمه بذلك كله، ومحيط علمه بالأمور الماضية والمستقبَلَة، ومحيط علمه بما في التوجه إلى القِبَل المتنوعة من الحكمة، ومحيط علمه بنيات المستقبلين لكل جهة من الجهات إذا أخطئوا القبلة المعينة، فحيث ولى المصلى منهم فما قصد إلا وجه ربه.
وأما قول الخليل وإسماعيل ـ عليهما السلام ـ وهما يرفعان القواعد من البيت ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: ١٢٧] فإنه توسل إلى الله بهذين الاسمين إلى قبول هذا العمل الجليل، حيث كان الله يعلم نياتهما ومقاصدهما، ويسمع كلامهما، ويجيب دعاءهما فإنه يراد بالسميع في مقام الدعاء: دعاء العبادة ودعاء المسألة ـ معنى المستجيب. كما قال الخليل في الآية الأخرى: ﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [ابراهيم: ٣٩].
وأما ختم قوله: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٢٩] بقوله ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: ١٢٩] فمعناه: كما أن بعثك لهذا الرسول فيه الرحمة السابغة، ففيه تمام عزة الله وكمال حكمته، فإنه ليس من حكمة أحكم الحاكمين أن يترك الخلق سدى عبثا، لا يرسل إليهم رسولا، فحقق الله حكمته ببعثه، كما حقق حكمته لئلا يكون للناس على الله حجة، والأمور كلها: قدريها وشرعيها، لا تقوم إلا بعزة الله، ونفوذ حكمه.