وضحت هذا الإطلاق الآيات الأخر الدالة على أن هدايته لها أسباب، يفعلها العبد ويتصف بها مثل قوله في سورة المائدة: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلام﴾ [المائدة: ١٦] وأن إضلاله لعبده له أسباب من العبد، وهو توليه للشيطان، قال في سورة الأعراف: ﴿فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إنهم اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّه﴾ [الأعراف: ٣٠] وفي سورة الصف: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف: ٥].
وإذا اشتبهت آيات على الجبري الذي يرى أن أفعال العباد مجبورون عليها، بينتها الآيات الأخر الكثيرة الدالة على أن الله لم يجبر العباد، وأن أعمالهم واقعة باختيارهم وقدرتهم، وأضافها إليهم في آيات غير منحصرة.
كما أن هذه الآيات التي أضاف الله فيها الأعمال إلى العباد حسنها وسيئها، إذا اشتبهت على القدرية النفاة، فظنوا أنها منقطعة عن قضاء الله وقدره، وأن الله ما شاءها منهم ولا قدرها، تليت عليهم الآيات الكثيرة الصريحة بتناول قدرة الله لكل شيء من الأعيان والأعمال والأوصاف، وأن الله خالق كل شيء.
ومن ذلك: أعمال العباد، وأن العباد لا يشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين.
وقيل للطائفتين: إن الآيات والنصوص كلها حق، ويجب على كل مسلم تصديقها والإيمان بها كلها، وأنها لا تتنافى، فهي واقعة منهم وبقدرتهم وإرادتهم، والله تعالى خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم.
وما أُجْمِلَ في بعض الآيات فسرته آيات أخر، وما لم يتوضح في موضع توضح في موضع آخر، وما كان معروفاً بين الناس وورد فيه القرآن أمراً أو ناهياً، كالصلاة والزكاة والزنا والظلم، ولم يفصله فليس مجملاً، لأنه أرشدهم إلى ما كانوا يعرفون، وأحالهم على ما كانوا به متلبسين، فليس فيه إشكال بوجه والله أعلم.