القاعدة الثانية والعشرون: في مقاصد أمثلة القرآن
اعلم أن القرآن الكريم احتوى على أعلى وأكمل وأنفع المواضيع التي يحتاج الخلق إليها في جميع الأنواع، فقد احتوى على أحسن طرق التعليم، وإيصال المعاني إلى القلوب بأيسر شيء وأوضحه.
فمن أنواع تعاليمه العالية: ضرب الأمثال، وهذا النوع يذكره الباري سبحانه في الأمور المهمة، كالتوحيد وحال الموحد والشرك وحال أهله، والأعمال العامة الجليلة. ويقصد بذلك كله توضيح المعاني النافعة، وتمثيلها بالأمور المحسوسة، ليصير القلب كأنه يشاهد معانيها رأي العين. وهذا من عناية الباري بعباده ولطفه.
فقد مثّل الله الوحي والعلم الذي أنزله على رسوله في عدة آيات بالغيث والمطر النازل من السماء، وقلوب الناس بالأراضي والأودية، وإن عمل الوحي والعلم في القلوب كعمل الغيث والمطر في الأرض، فمنها: أراضٍ طيبة تقبل الماء وتنبت الكلأ والعشب الكثير. كمثل القلوب الفاهمة التي تفهم عن الله ورسوله وحيه وكلامه، وتعقله، وتعمل به علماً وتعليماً بحسب حالها. كالأراضي بحسب حالها. ومنها أراض تمسك الماء ولا تنبت الكلأ، فينتفع الناس بالماء الذي تمسكه فيشربون ويسقون مواشيهم وأراضهم، كالقلوب التي تحفظ الوحي من القرآن والسنة وتلقيه إلى الأمة ولكن ليس عندها من الدراية والمعرفة بمعانيه ما عند الأولين وهؤلاء على خير ولكنهم دون أولئك.