الظان أنهم لا يستوون مع المجاهدين ولو كان القاعدون معذورين. أزال هذا الوهم بقوله: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ [النساء: ٩٥].
وكذلك لما قال: ﴿لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا﴾ [الحديد: ١٠] ربما توهم أحد أن المفضولين ليس لهم عند الله مقام ولا مرتبة، فأزال هذا الوهم بقوله: ﴿وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ [الحديد: ١٠] ثم لما كان ربما يتوهم أن هذا الأجر يُستحق بمجرد هذا العمل المذكور، ولو خلا من الإخلاص، أزال هذا الوهم بقوله: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [الحديد: ١٠].
ومنها: قوله تعالى: ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ [النمل: ٤٨] ربما وقع في الذهن أنهم يفسدون وقد يصلحون، فأزال هذا الوهم بقوله: ﴿وَلا يُصْلِحُونَ﴾ [النمل: ٤٨] أي: لا خير فيهم أصلاً مع شرهم العظيم.
ومنها: أنه قال في عدة مواضع ﴿وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ﴾ فربما توهم أحد أنهم وإن لم يسمعوا فإنهم يفهمون الإشارة. فأزال هذا الاحتمال بقوله: ﴿إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ [النمل: ٨٠] فهذه الحالة لا تقبل سماعاً ولا رؤية لتحصل الإشارة، وهذا نهاية الإعراض.
ومنها قوله: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ ربما توهم أحد أن هدايته تأتي جزافاً من غير سبب. فأزال هذا بقوله: ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القصص: ٥٦] أي: بمن يصلح للهداية لزكاته وخيره ممن ليس كذلك، فأبان أن هدايته تابعة لحكمته التي هي وضع الأشياء مواضعها. ومن كان حسن الفهم رأى من هذا النوع شيئاً كثيراً.