ولو ثبت تواتر القراءة فلا حجة للغة العربية في كونها وافقت القراءة أم لا بل القرآن وجد قبل تدوين قواعد اللغة العربية فكيف يجعل السابق حجة على اللاحق فمثلا الآيتان الأُخريان ) وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)(النساء: من الآية١٦٢) و )إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ )(المائدة: من الآية٦٩) فقد اتفق الجمهور على قراءة (وَالْمُقِيمِين ) بالياء منصوبا على نحو ما هو مرسوم إلا رواية يونس وهارون عن أبي عمرو لها بالواو وقراءة عاصم الجحدري لها بالواو كذلك مع محافظته على رسمها بالياء واتفقوا على قراءة (َالصَّابِئُونَ ) بالواو على نحو ما هو مرسوم إلا ابن محيصن فقد قرأها بالياء والجحدري كذلك وما دامت قراءة عامة القراء قد جاءت موافقة للرسم على هذا النحو وقد تواترت فلا مجال – إذن – للكلام هنا هل وافقت العربية أم لا وخاصة أن النحاة قد تكلموا على ما في الآيتين من تخالف إعرابي ووجهوا ذلك بوجوه كثيرة رغم أن القراءة إذا صحت روايتها وتواترت لا ينظر في موافقتها قواعد النحاة ولا يطلب لها التعليل أو ذكر الأمثلة لها من كلام العرب فصحة روايتها وتواترها هي في نفسها أقوى في الدلالة على علوها في الفصاحة والعربية من التماس موافقتها للعربية بقول مجهول أو شعر منحول لتوجيهها وما أجل قول الفخر الرازي في هذا المعنى حين يقول (( إذا جوزنا إثبات اللغة بشعر مجهول فجواز إثباتها بالقرآن العظيم أولى وكثيرا ما ترى النحويين متحرين في تقرير الألفاظ الواردة في القرآن فإذا استشهدوا في تقريرها ببيت مجهول فرحوا به وأنا شديد التعجب منهم فإنهم إذا جعلوا ورود ذلك البيت المجهول على وفقها دليلا على صحتها فلأن يجعلوا القرآن دليلا على صحتها كان أولى ) اهـ فهذا الكلام من الفخر الرازي رحمه الله حق له أن يكتب بماء الذهب ويخلد فقد أثبت بالبرهان البين الواضح أن القراءة القرآنية لو تواترت


الصفحة التالية
Icon