الاقتضاء نوع من أنواع الدلالات التي أقرّها كل من المتكلمين والأحناف، فدلالة الاقتضاء هي: ((عبارة عن زيادة على المنصوص عليه يشترط تقديمه، ليصير المنظوم مفيداً أو موجباً للحكم، وبدونه لا يمكن إعمال المنظوم)) (١) أو هي دلالة الكلام على المسكوت عنه، يتوقف صدق الكلام على تقديره أو لا يستقيم معناه إلاّ به، أي أنّ صيغة النص لا تدلّ عليه، وإنّما صحة الكلام أو استقامته عقلاً أو شرعاً تقتضيه وتتوقف عليه، فالاقتضاء معناه الاستدعاء والطلب. (٢)
أمّا فيما يخص كتاب ((نظم الدرر)) فإنّي لم أجد تعريفاً يخصّ دلالة الاقتضاء، إنّما سار على نهج واحد في الدلالات ـ كما مرّ سابقاً ـ ففي دلالة الإشارة والاقتضاء وغيرها من الدلالات يكتفي بالأمثلة من دون الإشارة إلى تعريف، ولعل من الأسباب التي. تجعل البقاعي لم يتطرق إلى تعريف الدلالات، هي إنّ البقاعي يعدّ أحد الأصوليين المتأخرين ممّا يعتقد أنّ مصطلحات الأصول قد ثبتت واستقرت في البحث الأصولي.
وقد جاء في قوله تعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ (٣) وفي النص القرآني محذوف يتوقف عليه صدق الكلام؛ لأنّ القرية جماد وهي إن سئلت لا تجيب وكذلك قافلة الحمير؛ لأنّ في النص القرآني أمراً بالسؤال للقرية، ولا يصح الأمر بسؤال القرية؛ لأنّه لا يصح منها الجواب، والسؤال يقتضي الجواب فيكون أمراً بالسؤال ممن يصح منه وهو ((أهلها وهي مصر، عما أخبرناك به يخبروك... والعير أي أصحابها وهم قوم من كنعان جيران يعقوب(ع) (٤).
(٢). ينظر: أصول الفقه (بدران): ١٨٧ وأسباب اختلاف الفقهاء: ١٧٦.
(٣). يوسف: ٨٣.
(٤). نظم الدرر: ١٠/١٩٤ و ٢٤٧ـ٢٥٠.