قد كثر حديث القدماء في موضوع الحقيقة والمجاز، ولهذا الموضوع أهمية كبرى في اللغة العربية ولا سيما في التطور الدلالي في ألفاظها، وقد اختلف العلماء في ظاهرة الحقيقة والمجاز، وتناوله كل من اللغويين والبلاغيين والأصوليين كل من وجهة نظره من أجل الوقوف على المعنى، فما يهم اللغوي منه انتقال الألفاظ من الحقيقة إلى المجاز وما ينتج عن هذا الانتقال من ظواهر دلالية، وقد درس البلاغي الحقيقة والمجاز، ليكشف العلاقة الرابطة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي البعيد، ليلتمس منها الأديب عناصر الجمال الفني. أمّا الأصوليون فقد ((كان غرضهم الوصول إلى تأصيل الاستعمال الحقيقي والمجازي للألفاظ في تراكيبها المختلفة الإستنباط الأحكام الشرعية منها، والنظر في مدى ثبوت الحقائق الثلاث اللغوية والعرفية والشرعية )) (١)
إن الأصوليين لم يتناولوا قضية الحقيقة والمجاز من ناحية الوضع الأول للغة، وإنما نظروا إليها من حيث الاستعمال واستقرار الدلالة (٢)
لأن ((ظاهر استعمال أهل اللغة للفظة في شيء دلالة على أنها حقيقة فيه إلاّ أن ينقلها ناقل عن هذا الظاهر)) (٣).
(٢). ينظر: التصور اللغوي عند الاصوليين: ١٠٣ والدلالة القرآنية في جهود الشريف المرتضى: ٣٣.
(٣). الذريعة في أصول الشريعة: ١/١٣.