وبنى الأصوليون أحكامهم الفقهية في حقيقة الكلمة ومجازها على استخدام الكلمة في السياق، وتحديد مدلولها من حيث حقيقة المعنى ومجازه. ومن هذه النظرة الخاصة التي نظر إليها العلماء سواء أكانوا من اللغويين أم من البلاغيين أم من الأصوليين لموضوع الحقيقة والمجاز، وما يشكل من أهمية كبيرة في تطور الدلالة، لأن قضية الحقيقة والمجاز مسألة نسبية متغيرة، والسبب في ذلك ان كلا من الحقيقة والمجاز كثيرا ما يتبادلان هذه الصفة، فما كان حقيقة قد يصبح مجازا وما كان مجازا قد يصبح حقيقة والسبب هو الاستعمال العرفي اللغوي (١)، ومن هذه النظرة ظهر الخلاف واضحا في بعض الأحكام الشرعية عند الأصوليين ومن أجل ذلك خصصت دراستي لموضوع الحقيقة والمجاز كلا منهما على انفراد
الحقيقة:
فقد أثبت علماء العربية ظاهرة الحقيقة والمجاز في اللغة العربية والقرآن الكريم وذلك لقولهم:((هذا الاسم حقيقة وهذا الاسم مجاز)) (٢)
فالحقيقة: (( من قولنا: حقّ الشيء إذا وجب، واشتقاقه من الشيء المحقق وهو المحكم، ويقال : ثوب محقق النسج أي محكمه)) (٣) وقد عرّفها ابن جني بقوله:(( ما أقرّ في الاستعمال على أصل وضعه في اللغة)) (٤) ويرى ابن الاثير أن الحقيقة: هي ((اللفظ الدال على موضعه الأصلي)) (٥) إما الزملكاني فيعرفها قائلا:((هي اللفظ المستعمل في ما وضع له أولا في ذلك الاصطلاح الذي وقع به التخاطب )) (٦)

(١). ينظر: الترادف في اللغة: ١٠١.
(٢). المعتمد في أصول الفقه: ١/١٦.
(٣). المزهر: ١/٣٥٥.
(٤). الخصائص: ٢/٤٤٤ وينظر: المزهر: ١/٣٥٦.
(٥). المثل السائر: ١/٥٨ وينظر الطراز: ١/٢٩.
(٦). البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن: ٩٩.


الصفحة التالية
Icon