ولم يرد تعريف أو مصطلح الحقيقة عند البقاعي في تفسيره، وانما أورد لها أمثلة قالها عند تفسيره لآي الذكر الحكيم، ومن خلال متابعتي للألفاظ ودلالاتها المختلفة في السياق وغيره وجدت البقاعي يسير في نهج من ساروا في تقسيم الحقيقة إلى لغوية وشرعية وعرفية، وتناول مجموعة من الأمثلة موضحا كل نوع من أنواع الحقيقة.
وقد جاء في تفسير قوله تعالى:﴿... مَّا هُم مِّنكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (١) إذ يقول البقاعي:(( ولما كان الكذب قد يطلق في اللغة على ما يخالف الواقع وان كان غير تعمد، بأن يكون الحالف يجهل عدم مطابقته للواقع)) (٢) فان لفظة (في اللغة) عند البقاعي تدل على أصل المعنى الموضوع لها.
وجاء في تفسير كلمة (الحد) في قوله تعالى:﴿ولا تباشروهن {... وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا...﴾ (٣) ويقول البقاعي:(( وحقيقة الحد الحاجز بين الشيّئين المتقابلين، ليمنع من دخول أحدهما في الآخر)) (٤) ويشير ابن منظور في لسان العرب إلى أن:(( الحد: الفصل بين الشيّئين، لئلا يختلط أحدهما بالآخر أو لئلا يتعدى أحدهما على الآخر، وجمعه حدود)) (٥) وحدود الله هي أحكامه وشرائعه التي حددها الله سبحانه لعباده وأمرنا أن نتجنبها وحرّمها علينا، وقد أشار بعض أهل التأويل إلى أن حدود الله هي شروطه، وهذا معنى قريب من المعنى المحدد أو بعبارة أخرى حدوده معاصيه، وهي حدّ فاصل، وأشار إلى عدم التقرب من المعاصي (٦). فأكثر علماء المعجمات اتفقوا على ان الحد هو الفاصل بين شيئين في اللغة، والبقاعي كان مؤيدا لرأيهم.

(١). المجادلة: ١٤.
(٢) نظم الدرر: ١٩/٣٨٦.
(٣). البقرة: ١٨٧.
(٤). نظم الدرر: ٣/٩٢.
(٥). لسان العرب مادة –حدد-: ٤/١١٥ وينظر: ترتيب القاموس المحيط: ١/٥٩٧
(٦). جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ٢/١٨٣.


الصفحة التالية
Icon