ومن هذا المنطلق ظهر نوع جديد من الألفاظ التي تنتقل من مسمياتها وتبقى على جهة الحقيقة لا المجاز وهو ما اصطلح عليه بـ ((الحقيقة الشرعية))، فالحقيقة الشرعية: ((هي اللفظ الذي استفيد من الشرع وضعه للمعنى سواء أكان اللفظ. والمعنى مجهولين عند أهل اللغة، أم كانا معلومين، لكنهم لم يضعوا ذلك الاسم لذلك المعنى إذا كان أحدهما مجهولاً والآخر معلوماً)) (١) أمّا البلاغيون والأصوليون، فقد عرّفوها بقولهم: ((هي اللفظة التي يستفاد من جهة الشرع وضعها لمعنى غير ما كانت تدلّ عليه في أصل وضعها اللغوي)) (٢).
وقد ذهب البقاعي إلى ما ذهب إليه جمهور الأصوليين في إثبات الحقائق الشرعية، ولكن لم أجد البقاعي يتطرق إلى تعريف لهذا المصطلح، إنّما أشار إليه في طريقه عند بيان دلالة بعض الألفاظ شرعاً، وأحياناً يتطرق إلى المعنى اللغوي والشرعي معاً.
ومن الألفاظ التي أشار إليها البقاعي في تفسير كلمة ((الغنيمة)) من قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ...﴾ (٣) أشار البقاعي إلى دلالة الكلمة إذ قال: ((والغنيمة لغة: الفوز بالشيء وشرعاً ما دخل في أيدي المسلمين من مال الكفار قهراً بالخيل والركاب)) (٤) فالمعنى: إذا ظهر المسلمون على المشركين وعلى أرضهم وأخذوهم عنوة، فما أخذوه من مال ظهروا عليه فهو غنيمة (٥).

(١). إرشاد الفحول: ١/٩٥، وينظر: منهج البحث اللغوي بين التراث وعلم اللغة الحديث: ١٣٤.
(٢). الطراز: ١/٥٥.
(٣). الأنفال: ٤١.
(٤). نظم الدرر: ٨/٢٨٣، وينظر: ٨/٢١٧.
(٥). جامع البيان: ١٠/٢٠.


الصفحة التالية
Icon