ونلاحظ ممّا تقدم من هذه الأمثلة؛ إنّ البقاعي قد أقرّ إثبات الحقيقة الشرعية، إذ نستنبط منه أن الحقيقة الشرعية عند البقاعي، هي الألفاظ التي انتقلت دلالتها من الوضع اللغوي إلى معنى آخر كُثر الاستعمال فيه، ويعود ذلك لما جاء به القرآن الكريم من هذه الألفاظ.
الحقيقة العرفية
الحقيقة العرفية هي دلالة انتقالية زمنية من الدلالة الوضعية بعد شيوعها؛ لأنّ الأصل وضع الاسم بمعنى عام ثمّ يخصصها الناطقون باللغة بعرف الاستعمال ببعض مسمياتها حتى شاع هذا النوع من الحقيقة في العصر الإسلامي. (١)
فالحقيقة العرفية: ((هي ما انتقل عن بابه بعرف الاستعمال وغلبته عليه لا من جهة الشرع، أو ما أفاد ظاهر الاستعمال طاريء من أهل اللغة)) (٢) وعرّفها السمرقندي بأنّها ((اللفظ الذي انتقل من الوضع الأصلي إلى غيره بغلبة الاستعمال)) (٣).
أمّا البقاعي فقد أقرّ بهذا النوع من الحقيقة متبعاً سابقيه في هذا النهج، إلاّ أنّي لم أجد تعريفاً لهذا النوع في نظم الدرر، إنّما وجدت له أمثلة متناثرة في كتابه، ومن هذه الأمثلة كلمة ((الدابة))
في قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ﴾ (٤) وقد أشار البقاعي إلى لفظة الدواب في قوله: ((ولمّا كانت الدابة في الأصل لما دبّ على الأرض ثمّ غلب إطلاقه على ما يركب)) (٥) والدابة اسم لكل حيوان ذي روع ذكراً كان أو أنثى عاقلاً أم غيره، مأخوذ من الدبيب وهو في الأصل المشي الخفيف (٦). ومنه قول الشاعر.
زعمتني شيخاً ولستُ بشيخ * * * إنّما الشيخ من يدب دبياً.
(٢). المعتمد: ١/٢٧.
(٣). ميزان الأصول: ١/٥٣٧.
(٤). فاطر: ٢٨.
(٥). نظم الدرر: ١٦/٤٧.
(٦). ينظر: روح المعاني: ١٢/٢.