وقد تناول البقاعي هذا الضرب من الاشتقاق إلاّ انه لم يشر إلى التسمية التي أطلقها اللغويون عليه، إنما وجدته يكتفي بذكر الأمثلة، وهذه الأمثلة قد أخذت الجزء الأكبر من الاشتقاق عنده، التي كان يعوّل عليها كثيراً في بيان الأصول اللغوية للألفاظ في النصوص القرآنية، ثم الكشف عن مدلولاتها، ففي بعض الأمثلة يتكلم بإيجاز القول فيها بسطر أو سطرين وفي الأخرى يبسط القول حتى يصل كلامه إلى خمس عشرة صفحة، وفي بعض الأحيان يذكر تقاليب الكلمة، ويعطي الأمثلة على جميع تقاليبها، وأحياناً أخرى لا يذكر حتى تقاليبها، وإنّما يكتفي ببيان مدلول المادة.
فمن أمثلة هذا الضرب من الاشتقاق في تفسير ألفاظ الذكر الحكيم ما أورده بشأن لفظة (سرق) من قوله تعالى: ﴿قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ﴾ (١).
ويبيّن البقاعي الاشتقاق الكبير لمادة (سرق) إذ يقول: ((ومادة سرق ـ بتراكيبها الأربعة: سرق، وسقر، وقسر، وقرس ـ تدور على الغلبة المحرقة والموجعة والضعف، والكثرة والقلة والمخادعة فيأتي الخفاء والليل)) (٢). ((فمن مطلق الغلبة: القسر، وهو الغلبة والقهر، وقال ابن دريد: القسر: الأخذ بالغلبة والاضطهاد، والقسورة: الأسد والعزيز، وقسر: جبل السراة كأنه موضع الصيد والقسر والغلبة والقرس ـ بالكسرـ صغار البعوض، والقسور أيضاً: الصياد مطلقاً؛ يلزمه المخادعة والاستخفاء، ومنه القسورة: نصف الليل أو أوله أو معظمه ـ لأنه محل الاستخفاء والمقاهرة.
ومنه السرق والأخذ في خفية، وسرق كفرح: خفي، والسوارق: الزوائد في فراش القفل ـ لغرابتها وخفاء أمرها، أو لسلبها السرقة بمنعها السارق من فتح القفل.
(٢). نظم الدرر: ١٠/١٧٣.