والدلالة على وضع المفرد موضع الجمع، وهي أن المتكلم جعل الجمع كنفس واحدة؛ لشدة تماسكهما واتصالهما وليست ذواتاً متعددة تفصل إحداهما عن الأخرى، فيحدث بينهما التمايز والافتراق (١). وما ذكر البقاعي بشأن هذه الدلالة عند كلامه على قوله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ...﴾ (٢) إذ علّق البقاعي قائلاً: ((ولما كانت الكتب السماوية من شدة تصادقها كالشيء الواحد عبّر بالمفرد لإفادته ما يفيد الجمع وزيادة دلالة على ذلك)) (٣) هذا التعبير من إعجاز القرآن الكريم، فعبّر سبحانه وتعالى بصيغة المفرد وهو ((الكتاب)) للدلالة على الجمع؛ لأن القرآن الكريم هو أحد الكتب المنزلة على رسل ربّنا والقرآن منزّل على الرسول الكريم(ص)، وبما أن اتجاه الكتب هذه وهو واحد، وهي الدعوة إلى الله سبحانه، ومصدرها واحد وهو عزّ وجل، فعبّر بالمفرد لشدة تشابهها من مختلف جوانبها.
٢- التعبير بجمع القلة عن الكثرة:
وقد ذكر هذا في قوله تعالى: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ ﴾ (٤) فقد صرّح البقاعي قائلاً: ((وعبّر بجمع القلة عن الكثرة؛ لأن عادة العرب أن تستعيره لها وهو أرشق وأشهر من بيبان، وسياق العظمة يأبى كونه لغيرها)) (٥).
والتعبير بصيغة الجمع في هذا الموضع الذي كان ينبغي التعبير عنه بالكثرة، وسبب العدول هو إرادة التعظيم لهذا الشيء.
(٢). المائدة: ٤٨.
(٣). نظم الدرر: ٦/١٨٠.
(٤). القمر: ١١.
(٥). نظم الدرر: ١٩/١٠٤.