فقد ورد في دلالة الاسم على الثبات في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ﴾ (١) هذه الآية المباركة تبين صفة أخرى للمنافقين، وهي المراهنة بإظهار شيء وإضمار خلافه، ولا تكون هذه إلاّ فيمن بلغ في فساد الأخلاق حداً بعيداً، فيظهر بوجهين، ويتكلم بلسانين يلقى كلاً بحسب ما تقتضيه المصلحة، وهم يرون ذلك من مصالحهم الفردية والاجتماعية، وهذه الفئة من المنافقين لم تكن تختص بعصر التنزيل، بل توجد في كل عصر وزمان (٢). فقد فرّق سبحانه وتعالى بين قولهم للمؤمنين وقولهم لأصحابهم، فقد خاطبوا المؤمنين: ((معبرين بالجملة الفعلية الماضية التي يكفي في إفادتها لما سيقت له أدنى الحدوث)) (٣) وخاطبوا جماعتهم: ((معبرين بالاسمية الدالة على الثبات مؤكدين لها دلالة على نشاطهم لهذا الاخبار)) (٤) فهم فيما أخبروا به عن أنفسهم من الثبات على اليهودية والقرار على اعتقاد الكفر والبعد من أن يزولوا عنه على صرف رغبة، ووفور نشاط، وارتياح للمتكلم (٥).
فقد أشار البقاعي إلى أنّ التعبير بالجملة الفعلية في قوله ((آمنّا)) دال على الحدوث والتجدد، وليس هذا الإيمان ثابت إنّما متجدد ومتغير بالنسبة للمنافقين، أمّا قوله تعالى: ((إنّا معكم)) فثابت فيهم، فالمعنى خاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية والشياطين بالجملة الاسمية المؤكدة بأنّ، لأنّهم قصدوا أحداث الإيمان، وبالثانية تحقيق ثباتهم على ما كانوا عليه، ولأنّه لم يكن لهم باعث من عقيدة وصدق ورغبة فيما خاطبوا به المؤمنين (٦).
(٢). ينظر: مواهب الرحمن: ١/٩٥.
(٣). نظم الدرر: ١/١١٤.
(٤). نظم الدرر: ١/١١٥.
(٥). ينظر: الكشاف: ١/١٤٢ ومعاني الأبنية: ١٣.
(٦). ينظر: نظم الدرر: ١/١١٥.