فالجملة الفعلية، مفادها الإخبار بمطلق العمل مقروناً بالزمان من غير أن يكون مبالغة وتوكيداً (١)، إذْ يدلّ على صور عديدة من الأحداث والأزمان الدالة على التغيير والتجدد، فهي موضوعة لتصوير الحدث في الماضي أو الحال أو المستقبل، فتدل تجدد سابق أو حاضر أو آتٍ (٢).
ويعدّ البقاعي أحد المفسرين الذين ساروا على نهج المفسرين السابقين، ووافق في نظرته إلى الأفعال ما أشار إليه المفسرون واختلاف دلالاتها الزمنية المتنوعة، وقد أشار البقاعي إلى أنواع الأفعال في تفسيره معتمداً على قول الواحدي (٣)، إذ يقول البقاعي: (( كما ذكر الواحدي أنّ الأفعال على ثلاثة أضرب: فعل للثبات والاستقرار كالعلم واليقين والبيان، تقع بعده الثقيلة دون الخفيفة، وفعل للزلزلة والاضطراب، كالطمع والخوف والرجاء، فلا يكون بعده إلاّ الخفيفة الناصبة للمضارع، وفعل يقع على وجهين كحسب: تارة تكون بمعنى طمع، فتنصب، وتارة بمعنى علم...)) (٤) وقد أشار البقاعي إلى مجموعة كبيرة من الأفعال متطرقاً إلى بيان دلالة هذه الأفعال، ومن الدلالات التي أشار إليها البقاعي هي:
١- دلالة الفعل على التجدد والاستمرار:
وقد جاء في قوله تعالى: ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾ (٥) ويقول البقاعي: ((وعبّر بالمضارع للتجدد بتجدد الذبح بخلاف المركوب)) (٦) فالمعنى: أن التعبير بالجملة الفعلية دال على تجدد الذبح والاستمرار فيه من أجل الأكل، على عكس الركوب فإن فيه ثباتاً دائماً، إذ به يتم الانتقال من مكان إلى آخر.

(١). أساليب بلاغية ((مطلوب)): ١٤٢.
(٢). البحث الدلالي في تفسير التبيان: ٢٤٧.
(٣). الواحدي: هو علي بن أحمد النيسابوري، كان واحد عصره في التفسير، صاحب التفاسير الثلاثة: البسيط والوسيط والوجيز (ت٤٦٨هـ) ينظر: طبقات المفسرين: ١/٣٨٧.
(٤). نظم الدرر: ٦/٢٤٥ـ٢٤٦.
(٥). يس: ٧٢.
(٦). نظم الدرر: ١٦/١٧٣.


الصفحة التالية
Icon