وقد ورد هذا الاستعمال في قوله تعالى: ﴿... وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ (١) فالتقدير: فإن من أشرك بالله فقد ضلّ ضلالاً بعيداً، يقول البقاعي: ((وفي التعبير بالمضارع إستكفاف مع استعطاف واستجلاب في إسترهاب )) (٢) أي ظاهرا في نفسه من جهة عظيمة؛ لأنه قد ملأ أقطار نفسه وقلبه وروحه وبدنه مظهراً للغير أنه أثم، فهو في نفسه منادٍ بأنّه باطل مصراً فلم يدع للصلح موضعاً، فلم تقتضِ الحكمة العفو عنه؛ لأنّه قادح في الملك وإنّما طوى مقدمة الظلال وذكر مقدمة الافتراء؛ لكون السياق لأهل الكتاب (٣).
وكذلك ما جاء في قوله تعالى: ﴿... وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ (٤) يقول البقاعي: ((وعبّر بالماضي إشارة إلى أنهم عفوا عن أذاهم في الماضي فلا يجازونهم به، فهو استجلاب إلى توبة أولئك المؤذين)) (٥) فالمعنى: أي الذي عرفنا طريق التوكل وهدانا إلى سبيل الإيمان ودلّنا على معرفته ووفقنا لتوجيه العبادة إليه وأنّ لا نشرك به شيئاً، وضمن لنا على ذلك جزيل الثواب، والمراد إذا كنا مهتدين فلا ينبغي لنا أنْ لا نتوكل إلاّ على الله، ولنصبرنّ على ما آذيتمونا، فانّه تعالى يكفينا أمركم وينصرنا عليكم (٦).
٤- دلالة الفعل على الاستقبال:
(٢). نظم الدرر: ٥/٢٩٨.
(٣). ينظر نظم الدرر: ٥/٢٩٧ـ٢٩٨.
(٤). إبراهيم: ١٢.
(٥). نظم الدرر: ١٠/٣٩٥ـ٣٩٦.
(٦). ينظر: مجمع البيان: ٦/٣٠٦.