وقد جاء في قوله تعالى: ﴿... فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ﴾ (١) يقول البقاعي: ((إنّه سبحانه أشار بهذه الصيغة المستقبلية إلى قتلهم النبي(ص) بالسم في خيبر)) (٢) فالمعنى كذبتم بعضاً من الرسل ممن لم تقدروا على قتلهم مثل عيسى(ع) ومحمد(ص) وقتلتم بعضاً مثل يحيى وزكريا عليهما السلام وغيرهما، واستمرارهم على هذا الفعل الشنيع فصار العناد والجحود سجية لهم (٣).
المبحث الرابع
دلالة حروف المعاني
حروف المعاني:
من الخصائص التي ميزت اللغة العربية هي تعدد معاني حروفها، فتعدد معاني الحروف مكمّن أسرار اللغة وسرّ جمالها.
ففي اللغة العربية نرى تغير المعنى الحرف الواحد تبعاً لما يراد من معنى في سياق الكلام؛ لأنّ معاني الحرف الواحد قد تصل إلى العشرات من المعاني كما هو الحال في (اللام ـ الباء ـ من)) وغيرها من حروف المعاني. وهذا مما دفع العلماء إلى القيام بتتبع هذا الجانب من جوانب اللغة، فأفردوا لها مصنفات تناولوا فيها المعاني والوجوه المختلفة لكل حرف من هذه الحروف (٤).
وقد بدأ الدرس النحوي منذ زمن مبكر من أجل تعرّف أسرار الذكر الحكيم، إذ نسب إلى ((علي بن أبي طالب (ع))) إنّه دفع بصحيفة إلى أبي الأسود الدؤلي جاء فيها: ((الحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل)) (٥) وكذلك أشار سيبويه في حديثه عن تعريف الحرف: ((ما جاء لمعنى وليس باسم ولا فعل)) (٦).

(١). البقرة: ٨٧
(٢). نظم الدرر: ٢/٣٢، وينظر البقاعي ومنهجه في التفسير: ١٧٨.
(٣). ينظر: مجمع البيان: ١/١٥٦ ومواهب الرحمن: ١/٣٢٠.
(٤). دراسة في حروف المعاني الزائدة: ١.
(٥). أنباه الرواة على أنباه النحاة: ١/٤.
(٦). الكتاب: ١/٢.


الصفحة التالية
Icon