لقد عني الدارسون العرب بـ ((حروف المعاني)) وأفردوا لها مصنفات خاصة بها، فقد لاحظوا أنّها تقع في ضمن حقل دلالي مشترك، فضلاً عن أنّها وسائل الربط في التركيب الذي ينصبّ عليه عمل النحوي، كما عني بها أيضاً أهل الفقه والأصول؛ لأنّ هذه الحروف بالنسبة لديهم تدخل في تحديد الأحكام الأصولية تبعاً لدلالاتها المختلفة، واختلفوا جميعاً في حقيقة دلالاتها على المعنى؛ أتدلّ في نفسها؟ أم في غيرها؟ والغالب أنّها تدلّ على معنى في غيرها (١).
أمّا المحدثون فهم على خلاف إذْ يرى طائفة منهم أنّها كلمات وظيفية تعبر عن العلاقات الداخلية بين أجزاء الجملة، وهي علاقات سياقية لها فعل نحوي أكثر منه لغوي، لذا فإنّ هذه الحروف لا تمتلك معنى معجمياً، بل لها معنى وظيفي عام هو التعلق، ثم تختص تحت هذا العنوان بوظيفة خاصة (٢).
أمّا الطائفة الأخرى فترى، أنّ الحروف تدلّ على معانيها في نفسها وهي منفردة، فحين تقول ((إلى)) تفهم أنّه بمعنى بلوغ الغاية و ((على)) بمعنى العلوّ، ولكن معناها هذا مقيد بالسياق الذي تردّ فيه، وإنّما وجدت الحروف لتؤدي معاني الألفاظ المتعلقة بها، وليس لتؤدي معناها الذاتي، لأنّه معنى غير مكتمل؛ فهي إذن وسيلة لفهم اللفظ المتعلق بها وليس لفهم معناها الخاص (٣).
وقد عرّف الأصوليون الحرف بقولهم: ((هو الذي جاء لمعنى تنعدم خاصية الاسم والفعل فيه، ويظهر المعنى في غيره)) (٤).
(٢). ينظر: اللغة العربية معناها ومبناها: ١٢٤ـ١٢٧ والتطور الدلالي بين لغة الشعر ولغة القرآن الكريم: ٧٥ والبحث الدلالي في تفسير التبيان: ٢٧٤..
(٣). اللامات دراسة نحوية شاملة في ضوء القراءات القرآنية: ٥٦ وينظر: البحث الدلالي في تفسير التبيان: ٢٧٤.
(٤). الإيضاح في شرح المفصل: ٢/٢٣٧ وينظر: الأشباه والنظائر في النحو: ٣/٢٢ ورسائل في النحو: ٣٨.