أمّا الشيخ البقاعي، فكان له رأي في بيان الحرف إذ يقول: ((وهذه الألفاظ عند انعجام معناها تسمّى حرفاً، والحرف طرف الشيء، الذي لا يؤخذ منفرداً وطرف القول الذي لا يفهم وحده، وأحق ما تسمّى حروفاً إذا نظر إلى صورها ووقوعها أجزاء من الكلم، ولم تفهم لها دلالة فتضاف إلى مثلها جزء من كلمة مفهومة تسمّى عند ذلك حرفا)ً) (١) وهذا التعريف الذي اشار إليه البقاعي للحرف، هو تعريف قريب من تعريف النحاة، إذ إن الحرف لا يفهم معناه منفرداً إنّما يفهم الحرف إذا كان في نظم الكلم، فالحرف رابط داخل الجملة، لا يتم التأليف من دونه ولا يمكن إذراك معنى الحرف إلاّ من خلال السياق (٢).
وقد تطرق البقاعي في تفسيره إلى مجموعة كبيرة من الحروف موضحاً معانيها من خلال وقوفه عند بيان النص القرآني، ويمكن تقسيم هذه الحروف كما قسمها النحاة إلى:
أ: حروف الجرّ:
إذْ أشار البقاعي إلى حروف الجرّ موضحاً استعمالاتها على حسب السياق الذي تردُ فيه ومن الحروف التي أشار إليها:
١- إلى:
وهو لانتهاء الغاية (٣). متابعاً البقاعي في ذلك سابقيه. وقد ورد في قوله تعالى: ﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ...﴾ (٤). فالمعنى: المراد تعظيم النعمة، وأن الرزق أكثر من الخلق، ولم يكن لذلك سبب سوى سبق رحمته لغضبه، و ((عبّر بحرف الغاية إشارة إلى تأمل الأقصى بعد تأمل الأدنى)) (٥) وأظهر الاسم الشريف ولم يضمر تنبيهاً على ما في ذلك من تناهي العظمة في تنوع الزرع بعد سقيا الأرض واهتزازها بالنبات واخضرار الأشجار واختلاف الثمار، وتكون الكل من ذلك الماء (٦).
٢- الباء:
(٢). ينظر: البحث النحوي عند الأصوليين: ٦٥.
(٣). الكتاب: ٤/٢٣١ والمقتضب: ٤/١٣٩ والجنى الداني: ٣٧٤ ومغني اللبيب: ١/١٥٦.
(٤). الروم: ٥٠.
(٥). نظم الدرر: ١٥/١٢١.
(٦). ينظر: نظم الدرر: ١٥/١٢٢.