وقد أشار البقاعي إلى معانٍ كثيرة لهذا الحرف، فذكر خروجها إلى ابتداء الغاية في قوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ﴾ (١) ويعلق البقاعي على قوله تعالى: ((من دوننا)) فيقول: ((ولما كانت جميع الرتب تحت رتبته سبحانه، اثبت حرف الابتداء محقراً لهم) (٢) فالمعنى: ألهم آلهة تجعلهم في منعة وعز من أن ينالهم مكروه من جهتنا، وفي الكلام تقديم وتأخير تقديره: أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم.
وكذلك جاءت ((من)) للابتداء في قوله تعالى: ﴿... وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ...﴾ (٣). فيقول البقاعي: ((ولما كان السياق للقدرة على البعث الذي هو التحويل من حال الجمادية إلى ضده بغاية السرعة، أثبت ((من)) الابتدائية الدالة على قرب زمن الجهل من زمن العلم)) (٤) أي فيصير إلى حالة الطفولة ضعيف البنية سخيف العقل، ولا زمان لذلك محدود، بل ذلك بحسب ما يقع في الناس،
(٢). نظم الدرر: ١٤/٤٢٤-٤٢٥.
(٣). الحج: ٥.
(٤). نظم الدرر: ١٣/١١.