ويأتي حرف ((من))؛ للدلالة على التبعيض، وهذا ما أشار إليه البقاعي في معرض تناوله قوله تعالى: ﴿... إلاّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء...﴾ (١) إذ يقول البقاعي: ((ويجوز أن تكون ((من)) تبعيضية لما عموا عنه من الحق الذي نزل به الكتاب الذي جاء به النبيون)) (٢) والمعنى: إنّ الله تعالى هدى الذين آمنوا في مورد اختلاف الناس في الحق الذي هو الدين والمعارف الإلهية بعلمه وإرادته، فالهداية الحقيقية التي هي أشرف المقامات الإنسانية وأجل المعارج العرفانية تنتهي اليه جلت عظمته (٣)، وقيل: إنّ معنى بأذنه بلطفه، فعلى هذا يكون في الكلام حذف، أي فاهتدوا بأذنه، وإنّما قال هداهم لما اختلفوا فيه من الحق، ولم يقل هداهم للحق فيما اختلفوا فيه، ويعلق أبو حيان الأندلسي: على قوله ((من الحق)) أي الذي تبيّن المختلف فيه ((ومن)) تتعلق بمحذوف؛ لأنّها في موضع الحال من ((ما)) فتكون للتبعيض (٤)، وعلى هذا الكلام يكون البقاعي موافقاً لرأي أبو حيان في عدّ (من) للتبعيض في النص القرآني.

(١). البقرة: ٢١٣.
(٢). نظم الدرر: ٣/٢٠٢-٢٠٣
(٣). ينظر: مواهب الرحمن: ٣/٢٨٦
(٤). ينظر: البحر المحيط: ٢/١٣٨.


الصفحة التالية
Icon