ثم حرف عطف يقتضي ثلاثة أمور: ((التشريك في الحكم والترتيب والمهلة)) (١) وقد أشار البقاعي إلى استعمالها بمعنى التراخي، وهو ما أطلق عليه ابن هشام المهلة، وقد ورد هذا الاستعمال في قوله تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ﴾ (٢).
المقصود من النص، بأنّ تطلبوا ستر الله لذنوبكم، ثم ترجعوا إلى طاعته بالندم والإقلاع والاستمرار بالتوبة ((أشار إلى علو رتبة التوبة بأداة التراخي)) (٣).
٣- الفاء :
يخرج حرف الفاء إلى معانٍ عديدة بحسب سياقات الجملة التي ترد فيها، من هذه المعاني هي (٤) :
١- التعقيب: وهو أصل معناها، وأن يكون المعطوف بها متصلاً بلا مهلة.
٢- السببية: وهو أن يكون المعطوف سبباً في المعطوف عليه.
وقد أشار البقاعي إلى هذين الاستعمالين، إذ يعلق على استعمالها في التعقيب في قوله تعالى: ﴿... فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ (٥). ويقول البقاعي: ((وعبر هنا بالفاء المشيرة إلى التعقيب دون تراخٍ؛ لأنّ المقام للاستدلال المنقذ من الضلال الذي يجب المبادرة إلى الإقلاع عنه)) (٦) فالمعنى: فانظروا كيف حقت عليهم العقوبة وحلّت بهم فلا تسلكوا طريقهم فينزل بكم مثل ما نزل بهم.
(٢). هود: ٥٢.
(٣). نظم الدرر: ٩/٣٠٨ و ١٩/٤٥.
(٤). ينظر: أصول السرخسي: ١/٢٠٨، الإيضاح في شرح المفصل: ٢/٢٠٥، ومغني اللبيب: ١/٣٢٤وهمع الهوامع: ٥/٣٢٣والأشباه والنظائر: ٣/١٨٤والفاءات في النحو: ١٨
(٥). النحل: ٣٦.
(٦). نظم الدرر: ١١/١٥٨.