وكذلك في الاستعمال نفسه، ما جاء في قوله تعالى: ﴿لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ * فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ (١) فالمعنى: ولما كان إتيان الشر فجأة أشر وكان أخذه لهم عقب رؤيتهم له من غير مهلة ((دلّ على ذلك مصوراً لحاله دالاً بالفاء على التعقيب)) (٢) وهذا ما دل عليه السياق من لفظة (بغتة)؛ لأن البعث الإتيان على غفلة حقق سبحانه وتعالى ذلك بأنّهم لا يشعرون بقدومه.
أمّا الفاء التي استعملت للسببية، فقد وردت في قوله تعالى: ﴿قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ﴾ (٣).
وصرّح البقاعي قائلاً: ((ولما ساق هذا الطلب مساقاً دالاً على أنّه شاكٍ في أمره، أخبر تعالى أنهّ فاجأه بإظهار الآية دالاً على ذلك بالفاء المسببة المعقبة من غير مهلة)) (٤) فأظهر سبحانه وتعالى لهم الثعبان وهو ظاهر في كبره وسرعة حركته بحيث أنّه لشدة ظهوره كأنّه ينادي الناس فيظهر لهم أمره، وهو موضع صدق من تسبب عن فعله في جميع مقالته.
٤- الواو :
وقد استعمل في العطف، والأصل في الواو أن تكون عاطفة مفيدة معنى الجمع والاشتراك، واستعمالها بغير هذا المعنى يكون من باب المجاز، وحمل اللفظ على الحقيقة أولى أن لم يصرفه صارف إلى غيره. (٥)

(١). الشعراء: ٢٠١ـ٢٠٢.
(٢). نظم الدرر: ١٤/١٠٢.
(٣). الأعراف: ١٠٦ـ١٠٧.
(٤). نظم الدرر: ٨/٢٢ و ١٨/١٦٨.
(٥). ينظر: الجنى الداني: ١٨٨ ومغني اللبيب: ١/٦٦٦ وهمع الهوامع: ٢/١٢٩ وأثر الدلالة النحوية واللغوية: ٥٣.


الصفحة التالية
Icon