الأصوليون هم أكثر الطوائف الإسلامية عناية بدراسة مباحث الدلالة، إذ توسعوا وكتبوا فيها الشيء الكثير، وهم بذلك قد زادوا كثيراً من هذه المباحث على ما قدمه علماء اللغة، وكان مرمى الأصوليين من البحث في أساليب العربية هو وضع قوانين تتخذ أساساً لهم في استنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، رامين قصد الشارع من هذا التنزيل، إذ جاءت الشريعة إلاّ لتقيم حياة إنسانية كريمة في فهم نصوصها، ويتعرف على تحديد الدلالات.
وقد انتهت دراستهم تلك إلى كثير من النتائج والملاحظات التي انتهت إليها المباحث الدلالية في العصر الحديث، وعنيت كذلك بتقسيم القضايا الدلالية التي لم تلق من المحدثين عناية كافية، وامتازت مباحثهم الدلالية بأنّها تمثل طرِفَاً مهماً للوصول إلى نتائج أو قوانين يعتمد عليها في فهم النصوص الشرعية والنصوص اللغوية (١)، ولن يأتي ذلك إلاّ بضبط إيعاز تلك الدلالات عن طريق الدراسة الجادّة لها؛ لأنّه من دون المعرفة بهذه الأساليب لا يمكن التوصل إلى الحكم بل الاجتهاد بها (٢)، ويصرح الشافعي (ت ٢٠٤هـ): ((لأنّه لا يعلمُ من إيضاح جمل عِلْم الكتاب أحد جهل سعة لسان العرب، وكثرة وجوه وجماع معانيه وتفرّقها من علمه انتفت عنه الشّبه التي دخلت على من جهل لسانها)) (٣).

(١). ينظر دراسة المعنى عند الأصوليين: ١..
(٢). ينظر: البحث الدلالي عند السمرقندي في كتابه ميزان الأصول: ١٤.
(٣). الرسالة: ٥٠.


الصفحة التالية
Icon