بيد أن الذي أحب الإشارة إليه، هو أن البقاعي في الأمثلة السابقة – دلالة التضمن ودلالة المطابقة والتي هي عند المتكلمين المنطوق الصريح- يسير على النهج الذي سلكه الجمهور، وهذا ظهر واضحا في الأمثلة السابقة، إلاّ أن البقاعي يأخذ اتجاها آخر في بعض الأمثلة، إذ يتطرق إلى طريقة الأحناف في بعض النصوص القرآنية، واكبر الظن ان الذي جعل البقاعي يتطرق إلى هذا الجانب من الدلالة ما يراه ملائما لبيان النصوص القرآنية، والسبب في ذلك يعود إلى الأصوليين المتأخرين والبقاعي أحدهم، فظهرت طريقة ثالثة في تقسيم الدلالة تسمى((طريقة المتأخرين))، وجمعت هذه الطريقة بين الطريقتين السابقتين، فعنيت بتحقيق القواعد الأصولية، وإقامة البراهين عليها، كما عنيت بتطبيق هذه القواعد على الفروع الفقهية، وربطها بها، وهذه الطريقة مزيج من علماء الحنفية وبعض علماء الشافعية (١)
وقد جاء في قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ (٢) ففي النص القرآني يتطرق البقاعي إلى طرائق الدلالة عند الأحناف وهي ((دلالة العبارة)) وهو ما يقابل عند المتكلمين ((المنطوق الصريح)) إذ يقول البقاعي: ((انه كلام الله، خبر يفوت الوصف في الجلال والعظم بـ((دلالة العبارة)) والصفة لا يعرض عن مثله إلاّ غافل لا وعي له ولاشيء من رأي)) (٣) فان مكمن دلالة العبارة في قوله (( نبؤا عظيم)) أي خبر عظيم الوصف من عند الله تعالى والذي تلوته عليكم من الأخبار عن الماضي والآتي من القيامة المشتملة على التخاصم وغيرها والأحكام والمواعظ فثبت بمضمونه الوحدانية، فالمعنى المقصود من السياق هو خبر عظيم الوصف وهو تعبير أصالة وليس تبعا.

(١). ينظر: أصول الفقه (بدران): ١٨.
(٢). ص: ٦٧-٦٨.
(٣). نظم الدرر: ١٦/٤١٥.


الصفحة التالية
Icon