وبعد فإن القرآن الكريم كمال إلهي مطلق وبحر لا ساحل له، انزل إلى الناس ليتعرضوا له بالقراءة والفهم والمدارسة والتدبر جيلا بعد جيل، فلا ريب إذن أن تعرض القرآن الكريم إلى قرآءات متلاحقة عبر العصور، وهذا أمر بديهي جدا. فكل عصر يستطيع أن يستنبط قضايا ومسائل تعينه على اجتياز المأزق الحضاري الذي يجد نفسه فيه فعلى ذلك يمكننا أن نقول إن تفسير القرآن الكريم يمكن أن يتجدد بكل عصر في ضوء المستوى الحضاري الذي وصل إليه أهل ذلك العصر والزمان. ولا يمكن أن نوقف تفسير كلام الله تعالى عند عصر معين. لأننا إن زعمنا ذلك، طعنا في خلود القرآن وخاتمتيه وعالمتيه وهيمنته(١)٩)والله اعلم.
سادساً : إن الاختلافات بين المفسرين ناشئة عن القراءة من جهة أو الاختلاف في معنى الكلمة وهي قليلة التي مردها إلى ذلك، وجل الاختلافات بين المفسرين هي اختلافات في الرأي ولا شك أن هذا ناشئ عن الاجتهاد في التفسير، والاجتهاد مدعاة للتجديد ولا شك. ولو أننا نظرنا إلى كتاب الطبري في التفسير وقرأنا فيه ما ذكره عند تفسيره لقوله تعالى ( وشاهد ومشهود ) من سورة البروج لوجدنا أنه يذكر آراء كثيرة مختلفة ومتباينة، وليس مردها لا الاختلاف في القراءة ولا في معنى لغوي، ولكنها اختلافات في الفهم والاجتهاد، ولا شك أن هذا ليس له حد فهو – الطبري – بعد أن ذكر تلك الأقوال المتعددة والمختلفة قال : والصواب من ذلك عندنا أن يقال إن الله تعالى أقسم بشاهد ومشهود، ولم يخبرنا مع إقسامه بذلك أي شاهد وأي مشهود أراد، وكل الذي ذكرنا أن العلماء قالوا هو المعنيّ مما يستحق أن يقال له شاهد ومشهود(٢)٠)وهو رحمه الله يعني أن كل الأقوال التي ذكرها محتملة في الآية. وهذا القول منه لا يمنع من إحداث قول جديد يكون محتملاً للآية أيضاً، إذ لم يذكر هو ولا غيره أن هذه الأقوال هي حصرياً التي تحتملها الآية !!


الصفحة التالية
Icon