المبحث الثالث : نظرة إلى التفسير بين الماضي والحاضر
أسلفت فيما مضى إلى أن التفسير القديم كان يتخذ شكلا واحداً عند جميع المفسرين السابقين وهو ما يسمى اليوم بالتفسير التحليلي. ويتفاوت المفسرون فيما بينهم أداءً لهذا النوع من التفسير الذي يصطبغ بصبغة مؤلفه فيه، ويمكننا أن نطالع أي تفسير في هذا الشأن لنرى كيف يتأثر بدراسة مؤلفه وثقافته. فلوا أخذنا مثالا تفسيري أبي حيان الأندلسي وتفسير القرطبي فانا نجد التفسير الأول وقد برزت فيه العناية الفائقة لدراسة الآيات القرآنية من جهة لغوية اكثر من غيرها من أية جهة أخرى. وما هذا إلا لان أبا حيان الأندلسي كان ضليعا في النحو واللغة. وإذا ما انتقلنا إلى تفسير القرطبي نجد الجهة الفقهية أو قل إن شئت الاتجاه الفقهي قد برز بروزا واضحا في هذا التفسير وما ذلك إلا لأن القرطبي من كبار فقهاء المذهب المالكي وهكذا.
بقي هذا الاتجاه سائدا إلى يومنا الحاضر وان اختلفت درجة حضوره في الكتب بين مفسر وآخر حتى وجدنا من يعيب هذا النمط من التفسير ويسميه التفسير التفكيكي أو التجزيئي ويقول... لقد واكب ذلك(١)١)على حجب الهداية القرآنية عن النفوس هو أن المسلمين بالغوا في التفسير التجزيئي للآيات ولم ينتبهوا إلى التفسير الموضوعي(٢)٢)ولا شك عندي أن العيب ليس في هذا النوع من التفسير، أو حتى المبالغة فيه، فانا رأيناه ضروريا حتى عند نشوء اتجاهات جديدة في التفسير ولكن العيب هو في الوقوف عند هذه المبالغة، أو الوقوف عند هذا النوع من التفسير، وما أحسب من فسر القرآن تفسيرا تحليليا قد دعا أو المح إلا أن هذا هو التفسير وفقط لا ينبغي تطلب غيره. وهذا الذي سماه الدكتور محسن تفسيرا موضوعيا يقوم في أساس بنائه على التفسير التحليلي أولاً.


الصفحة التالية
Icon