... وإذا كانت سنة الدورات هي التي تحكم مسارات الأمم والحضارات فإن هذه السنة تقتضي الصحوة و اليقظة والتجديد، خروجا من مراحل ودورات الغفلة، والتراجع والجمود. فاليقظة والتجديد سنة من سنن الله تعالى في الاجتماع الإنساني، وفي مسارات الحضارة الإنسانية، وهذه حقيقة بارزة في تاريخ هذه الأمة بشكل واضح. فقد تحدث عنها النبي ﷺ حديثاً بارزاً بقوله (يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة
من يجدد لها دينها(١)وإذا كانت الحضارة الإنسانية هي مواضعات بشرية، وإبداعات مدنية لا توصف بالخلود، ولا بالإطلاق، ومن ثم يجوز عليها الموت وإخلاء الطريق لحضارات أخرى وارثة لأممها وشعوبها وتاريخها، بمعنى أن سنة التجديد قد تأتي في صورة تداول الحضارات، لا بعثها وتجددها. فإن الحضارة الإسلامية واللغة العربية مع أنهما مواضعات بشرية وإبداعات إنسانية، هما استثناء من مصير موت وفناء الحضارات واللغات، وذلك لارتباطهما بالمطلق الديني، وهو الإسلام الخالد والخاتم، والقرآن المهيمن الذي تعهد الله بحفظه بلسان عربي مبين، لأجل هذا كان التجديد سنة مطردة وقانوناً لازماً في مسار الحضارة الإسلامية يقودها إلى النهوض بعد كل ركود، وهذا هو الذي جعل حضارتنا الإسلامية العربية أطول الحضارات المعاصرة عمراً وأرسخها قدماً على درب النهوض من العثرات، وأكثرها استعصاءً على فقدان الهوية والخصوصية، لارتباط ذلك بالمطلق الديني والخالد الإلهي، فهي إبداع مدني بشري حفز إليه وصبغة وحدد معاييره الوضع الإلهي المتمثل في وحي الله تعالى. وتلك خصوصية لحضارتنا الإسلامية تفردت بها دون كل الحضارات(٢).
... هذا في مسار الحضارة الإسلامية بعامة. ولا شك أن العلوم الإنسانية والعلمية الإسلامية جزء من مسار هذه الحضارة سواء منها ما تعلق بالدين مباشرة أم ما كان متعلقاً بتأييد الدين وليس به مباشرة.