الأستاذ العلامة حفظه الله تعالى مهتم بالتفسير القرآني، وبالقرآن عموما اهتماما بالغا أخذ عليه حياته كلها، ولهذا الاهتمام آثاره حيث إننا لم نعهد في الأستاذ إلا متدبرا خاشعا أمام عظمة القرآن الكريم وجلاله، ولسنا نراه واقفا عند ما قاله السابقون، يشيد ببنيانه ويتحولق حوله، ولم نجده كذلك آخذا معوله يهدم ما بناه السابقون، ولكنا وجدناه أخذ وأعطى، استفاد وأفاد، وأبدع نظرات جديدة في التفسير لم يسبق إليها فيما أ علم، ولا يتسع مثل هذا البحث لبيان هذه الإبداعات التفسيرية كلها، وحسبي هنا أن أطلع السادة القراء على بعض هذه النظرات تنبيها على وجودها في جهود الشيخ واكتفاءا بها عما سواها لعل الله تعالى يهيئ عملا آخر يكون فيه مجال الاستيعاب أرحب وأوسع، وهذه بعض الأمثلة على هذا النظر الجديد.
أولاً : في التفريق بين (الإغراء) و(الإلقاء) في الاستعمال القرآني(١)٤):-
قال العلامة الأستاذ : ومما هو جدير بالتدبر، حري بأن تخشع له القلوب، هاتان الكلمتان من كتاب الله، وهما كلمتا الإلقاء والإغراء، ولنستمع :
في سياق الحديث عن أهل الكتاب قال تعالى :( ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ) (المائدة : ١٤) وفي آية أخرى :( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين ) (المائدة ٦٤).