وقفت طويلا عند هاتين الآيتين : أتساءل عن سر استعمال (أغرينا ) في آية و(القينا )في أخرى وكنت على يقين من أن وجود كل من الكلمتين في موضعها، لا بد له من حكمه. والحقيقة أن الإعجاز البياني للقران الكريم لا يختص بالعرب وحدهم – كما بينته لك من قبل – إنما كل من فقه العربية من غير العرب، أو ترجمت له معاني الكتاب الكريم فانه سيقف على هذا الإعجاز، كما يقف عنده العربي ذو الطبيعة المسترسلة، والسليقة المتأصلة.
جاءت كلمة الإغراء حديثا عن النصارى، أما كلمة الإلقاء فجاءت في سياق الحديث عن اليهود، وإن كان كثير من المفسرين ذهب إلى أن قوله تعالى (وألقينا بينهم العداوة ) أي بين اليهود والنصارى، وإذا أردنا تفسيرا قريبا للإغراء والإلقاء ببساطة هو الإلصاق بحيث إذا ألصقت شيئين معا يصعب فصلهما، فهو مّأخوذ من الغراء (بكسرها ) وهي المادة المعروفة عند كثير من الحرفيين، أما الإلقاء فهو مجرد الطرح.
وبعد هذه المعرفة اللغوية، إذا أردت أن تتذوق البيان في الآيتين الكريمتين فلا بد لك من التاريخ والواقع، فلقد حدثنا التاريخ أن العداء بين الأمم النصرانية مستحكم ملصق بهم، وعليك أن تقرأ التاريخ ليحدثك عن تلك الحروب العالمية الطاحنة، بين الشعوب الأوروبية والطوائف النصرانية، ولقد كان آخرها شمولا الحرب العالمية الثانية، وإنما قلنا آخرها شمولا، لان هناك عدوات إقليمية بين الكنائس النصرانية كما يحدث في ايرلندا وغيرها ولا زال على اشده.