... أما الإلقاء : فهو مجرد الطرح كما علمت، فإذا كان الضمير في قوله تعالى :( بينهم ) راجعاً لليهود، فنحن نعلم أن ما بين اليهود من عداوة لم تصل إلى ما هي عليه عند النصارى وإذا كان راجعاً لليهود والنصارى – كما ذهب بعض المفسرين – فالأمر فيه ظاهر كذلك، فأمر العداوة لا يصل إلى ما هو عليه عند النصارى بعضهم مع بعض، وأن خير دليل على ذلك ما حدثنا عنه التاريخ مما كان بين النصارى واليهود، وبخاصة في أوروبا، ولكنه تحول اليوم إلى مودة ومعونة ومساعدة لما كان المسلمون طرفاً ثالثاً.
ثانياً : حذف الحرف وذكره في الاستعمال القرآني(١)٥) :
أ- قال تعالى في سورة الشعراء يحكي لنا ما قاله المعاندون لأنبيائهم، وبالتحديد ما قالته ثمود التي استحبت العمى على الهدى لنبيهم صالح عليه وعلى نبينا وأنبياء الله الصلاة والسلام، وقد أمرهم بعبادة الله وحده وحذرهم (قالوا إنما أنت من المسحرين، ما أنت إلا بشرٌ مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ) ( الشعراء : ١٥٣-١٥٥) أما قوم شعيب عليه الصلاة والسلام فهذه مقالتهم كما جاءت في كتاب الله :( قالوا إنما أنت من المسحرين، وما أنت إلا بشرٌ مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين ) ( الشعراء : ١٨٥- ١٨٦) فنحن أمام آيتين متحدتين في الجواب : ذكر حرف العطف في إحداهما ولم يذكر في الأخرى، فما هو السر البياني يا ترى ؟
من المفيد أن نستمع إلى ما قاله العلماء أولاً، ثم نحدثك بما يفتح الله به، وهو الفتاح العليم. فالشهاب الألوسي(٢)٦)، وهو خاتمة المحققين في عصره، يرى أن سبب زيادة الواو يرجع إلى أن شعيباً عليه السلام كان خطيب الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – فأحب القوم أن يجاروه فيما وهب من قول فزادوه هذه الواو.