ومن قبل الشهاب الألوسي – رحمه الله – يقول الكرماني صاحب متشابه القرآن ما هو قريب من هذا: أن شعيباً زاد في الحديث، فزادوا له في القول، وأن صالحاً قلل فقللوا له(١)٧).
وما أظن ذلك مقنعاً، ولا منسجماً مع بيان القرآن الكريم وروعته وإيجازه وإعجازه، فهل كان شعيب خطيب الأنبياء حقاً، وهل كان كلام صالح أقل من كلامه عليهما الصلاة والسلام ؟ لعل واقع الآيات التي جاءت كل من الجملتين بعدها لا يشهد لذلك ولا يقره.
وعلى التسليم بأن كلام صالح كان أقل، فهل وجود الواو من شأنه أن يكون زيادة في الحديث تتفق مع بلاغة شعيب وخطابه ؟ والعجب من الكرماني وغيره حيث عد الجملة الأولى ( ما أنت إلا بشر مثلنا ) بدلاً، والجملة الثانية ( وما أنت إلا بشر ) : عطفاً مع اتحاد المعنى، مع أننا نعرف أن البدل والعطف متغايران تماماً، فإذا قلنا ( قام زيد وأخوك ) و ( قام زيد أخوك ) ففي الجملة الأولى ينبغي أن يكون زيد ليس هو الأخ، أما الجملة الثانية : فإن زيداً فيها هو الأخ نفسه، وإذن لا يمكن أن تكون إحدى الجملتين عطفاً، والأخرى بدلاً، ويكون المعنى واحداً.
والذي ظهر لي – ولله الحمد والمنة، والله أعلم – أن هنا شفافية من الإعجاز التاريخي والبياني معاً وإليكم بيان ذلك، وحاولوا أن تعدوا أنفسكم لتلقيه وفهمه فهو بحق بديعة من بدائع إعجاز القرآن.
إن كلمة مسحرين لها معنيان : يمكن أن تفسر بالمسحورين الذين أصيبوا بمس واختلط الأمر عليهم، ويمكن أن تفسر بمن لهم معدة ورئة يأكلون ويشربون، ومن هذا القبيل ما ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :(( توفي رسول الله ﷺ وهو بين سحري ونحري ))(٢)٨)وقد ذكر المفسرون ابن جرير والزمخشري والرازي هذين القولين، أما الزمخشري والرازي فلم يرجحا قولاً دون آخر وأما ابن جرير فقد رجح أن كلمة مسحرين في الآيتين، تعني أنهم بشر يأكلون ويشربون.