والذي نراه هنا التفصيل فما قاله قوم صالح عليه الصلاة والسلام قصد به هذا المعنى الأخير وهو ما رجحه ابن جرير، وما قاله قوم شعيب عليه الصلاة والسلام قصد به المعنى الأول أي من المسحورين، وحجة ذلك :(١)٩).
أن كلمة مسحر : حينما تفسر بصاحب المعدة والرئة، الذي يأكل ويشرب فإنها مساوية للبشرية، أما إذا فسرت بالمسحور، فإنها لن تكون كذلك، بل كل منهما فيها معنى غير الذي في الأخرى، وقد قال قوم صالح ( إنما أنت من المسحرين، ما أنت إلا بشرٌ مثلنا ) فلم توسط الواو بين الجملتين، لأن معناهما واحد، إذ معنى المسحرين الذي قصده قوم صالح هو أنك ذو رئة تأكل وتشرب، ثم جاءت الجملة الثانية تؤكد هذا المعنى ( ما أنت إلا بشرٌ مثلنا )، فإن كونه يأكل ويشرب، معناه أنه بشر، فالجملة الثانية إذن ليست أجنبية عن الأولى، بل هي تأكيد لها، فبين الجملتين كمال اتصال كما يقول علماء البلاغة، لذا لا يجوز أن تتوسط الواو بينهما، لأن العطف يقتضي التغاير ولو وسطت الواو لكان لكل من الجملتين معنى يختلف عن معنى الأخرى.
وعلى العكس من هذا ما قاله قوم شعيب :( إنما أنت من المسحرين، ما أنت إلا بشرٌ مثلنا ) فكلمة ( مسحرين ) يجب أن تفسر بالمسحورين الذين مسهم الشيطان واختلط عليهم الأمر، وهذا يختلف عن كونهم بشراً، فقوم شعيب ألصقوا بنبيهم تهمتين : كونه مسحوراً أولاً، وكونه بشراً ثانياً، ولا شك أن كلاً من التهمتين تختلف عن أختها لذا وسطت واو العطف، لأن العطف يقتضي التغاير كما قلنا، ذلكم هو الإعجاز البياني في الآية.
بقي نوع آخر من الإعجاز، وهو إعجاز تاريخي، لكنه متفرع كما رأينا عن الإعجاز البياني فالإعجاز البياني هو الأصل والأساس، فما هو هذا الإعجاز التاريخي ؟


الصفحة التالية
Icon