ولعله قد بلغ الشوق مبلغاً، لتدرك سر النظم في الآيتين الكريمتين، فالآية الأولى جاءت تحذر المؤمنين من أمرين اثنين من الوهن والحزن، والوهن والحزن أمران ليسا من الفضيلة ولا من الخير في شيء، فلا يجوز للمؤمنين أبداً أن يركنوا إلى واحدة من هاتين الصفتين أو من هذين المرضين الاجتماعيين، اللذين ينخران جسم الأمة، فيحولان بينها وبين نعمة الأمن، وحلاوة الاستقرار، والقدرة على التحفز، ولذة المقاومة، مقاومة الشر.
أما الآية الثانية : فكان النهي فيها عن أمرين اثنين كذلك : الوهن، وهو ما تشترك فيه مع الآية الأولى، وهو الأمر الأول، أما الأمر الثاني فهو الدعوة إلى السلم، ولكنه لم يقترن بحرف النهي ( لا ) الذي اقترن به الحزن ! وما ذلك – والله أعلم بما ينزل – إلا لأن الحزن شر في كل وقت، أما الدعوة إلى السلم فليس كذلك، إنما هو شر حيناً، ولكنه قد يكون خيراً حيناً آخر ألا ترى إلى قوله تعالى :( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله ) ( الأنفال : ٦١) ولكنه شر حينما يكون استسلاماً وحينما يقترن بالضعف والوهن، كما هو الشأن في أيامنا هذه، فلو أنه قيل ( فلا تهنوا ولا تدعو إلى السلم ) لكان محرماً على المسلمين في كل حين وعصر، وليس هذا من شأن الإسلام، لكن نظم الآية على ما هو عليه ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم ) جاء يحرم على المسلمين الدعوة إلى السلم الناشئة عن الضعف، والتي هي خضوع وخنوع وذل لا يرتضيه الإسلام ولا يليق بالمسلمين.
أرأيت إلى بديع النظم، أرأيت إلى رسالة الحرف القرآني التي يحملها للمسلمين، هذا الحرف ( إنا أنزلناه قرءانا عربياً لعلكم تعقلون ) ( يوسف : ٢ ) ( قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً ) ( الفرقان : ٦ ).
ثالثاً : سر استعمال لفظ ( لا يحل )(١)٢) :