يقول الله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ) ( النساء : ١٩) مع أن أكثر المنهيات كانت تلي حرف النهي مباشرة ( ولا تقتلوا أولادكم ) ( الإسراء : ٣١) ( ولا تقربوا الزنى ) ( الإسراء : ٣٢)، ( ولا تقربوا مال اليتيم ) ( الإسراء : ٣٤) ( لا يسخر قومٌ من قوم ) ( الحجرات : ١١) ( ولا يغتب بعضكم بعضاً ) ( الحجرات : ١٢).
ولكن آية النساء جاء نسقها غير هذا كله، فلم يقل فيها (( لا ترثوا النساء كرهاً )).
قال الأستاذ العلامة : ولقد وقفت عند هذا النص الكريم أبحث عن سر التغاير، وبضم الآيات التي تشبه هذه الآية بعضها إلى بعض مثل قوله تعالى :( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً ) ( البقرة : ٢٢٩ )، ظهر لي – والله أعلم، ولله الحمد والمنة – أن هذه الكلمة إنما تجيء بجانب الأمور، أو بجانب القضايا التي كان الناس يزاولونها دون أن يروا بها بأساً أو حرجاً، أما غيرها من المنهيات فهي أمور تنفر منها الطباع أو ينكرها العرف، فالقتل والزنا وأكل مال اليتيم، وأكل أموال الناس بالباطل لا يقرها عقل ولا يحلها شرع، أما التحكم في النساء ووراثتهن كرهاً فإنها تختلف عن الأمور السابقة حيث رأينا أن بعض التشريعات والقوانين عند الأمم المتمدنة المتحضرة، كانت تجيز هذه إلى عهد قريب، وهنا تبرز دقة التعبير في كتاب الله في مخاطبة النفس الإنسانية فالأمور المتفق على تحريمها تلي حرف النهي (( لا تقربوا ))، (( لا تأكلوا ))، (( ولا تقتلوا النفس )) أما ما يظنه بعض الناس حقاً لا مرية فيه ولا غبار عليه، فإننا نجد القرآن يعبر عنه بأسلوب آخر حيث يلي حرف النهي هذه الجملة (( يحل )).