و أما ما يتعلق بالأمر الثاني من الأمور المشار إليها سابقا والمخصص للإجابة عن سؤال فحواه : هل يقف التفسير عند قرن معين ؟ أو بتعبير آخر هل يمكن إحداث قول جديد في التفسير ؟ قبل الإجابة عن هذا التساؤل لا بد من بيان أن التفسير برمته ينقسم قسمين : تفسير نقلي و تفسير عقلي، والتفسير النقلي لم يختلف الناس فيه، بمعنى إذا صح حديث أو نص في تفسير آية فان هذه الصحة تستلزم رفع الخلاف الذي يمكن تصوره حول إثبات التفسير، و إنما اختلفوا في حيثيات لها علاقة بالتفسير النقلي، وذلك يمكن تبينه إذا ما قدرنا أن المتصدي لهذا التفسير النقلي إنما يجمع حول الآية من المرويات ما يشعر أنها متجهة إليه متعلقة به، فيقصد إلى ما تبادر إلى ذهنه من معناها، وتدفعه الفكرة العامة فيها، فيصل بينها وبين ما يروى حولها في اطمئنان. وبهذا الاطمئنان يتأثر نفسيا وعقليا حيثما يقبل مرويا ويعني به، أو يرفض من ذلك مرويا – إن رفضه – ولم يرتح إليه(١)٣) وضمن هذه الدائرة التي هي مما حول المنقول يدور الخلاف و أما التفسير العقلي فان الخلاف فيه أوضح و أجلى و أبين إذ يفرغ المفسر في الآية طاقته وجهده في الوصول إلى اكمل معانيها عنده، وهذا هو ميدان الاختلاف والتنافس في إبراز القيم العليا لهذه الآيات الكريمة.
وفي الإجابة عن هذا التساؤل المطروح لا بد من النظر أولا فيما يفضي إليه قول من يقول إن المتأخرين لا يمكن أن يأتوا بجديد معتبر في التفسير لم يقل به السابقون حيث انه بادي الرأي تظهر لهذا القول ثلاثة مفاسد كبرى وهي :(٢)٤)
أولا : إن التفسير توقف على ما قال به السلف فقط.
ثانيا : إنه لا يجوز القول في التفسير بغير ما قال به السلف.
ثالثا : إن أي تفسير يأتي بعد تفسير السلف فهو باطل مطلقا.
وهذه مفاسد بادية للعيان ومعطلة عن الفهم وضاربة عرض الحائط بسنة اختلاف البشر وتنوع اجتهاداتهم وأفكارهم.


الصفحة التالية
Icon