فقال: ﴿لَّجَآءَهُمُ العذاب﴾ وذلك أن الآيتين الأوليين في عذاب الدنيا بدليل قوله في آية النحل: ﴿ثُمَّ يَوْمَ القيامة يُخْزِيهِمْ﴾ وقوله في آية الزمر: ﴿فَأَذَاقَهُمُ الله الخزي فِي الحياة الدنيا وَلَعَذَابُ الآخرة أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ في حين أن آية العنكبوت في عذاب الآخرة، وحتى لو كانت في عذاب الدنيا فإن ما ذكر فيها من العذاب أشق وأشد مما في الآيتين الأخريين بدليل قوله: ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بالكافرين﴾ وقوله: ﴿يَوْمَ يَغْشَاهُمُ العذاب مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ فجاء لما هو أشق وأشد بالفعل (جاء) ولما هو أيسر بـ (أتى).
وقد تقول: ولكنه قال: ﴿وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً﴾ فاستعمل مضارع (أتى).
والجواب: أن القرآن لم يستعمل مضارعاً للفعل جاء. ولذلك كلُّ ما كان من هذا المعنى مضارعاً، استعمل له مضارع (أتى) فلا يدخل المضارع في الموازنة وسيأتي بيان ذلك.
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إبراهيم وأصحاب مَدْيَنَ والمؤتفكات أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبينات فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ ولاكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * والمؤمنون والمؤمنات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بالمعروف وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر وَيُقِيمُونَ الصلاة﴾ [التوبة: ٧٠-٧١].
فقال: ﴿أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبينات﴾ وهو الموطن الوحيد الذي جاء فيه نحو هذا التعبير في القرآن في حين قال في المواطن الأخرى كلها: ﴿جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات﴾ [الأعراف: ١٠١].
ولو نظرت في هذه التعبيرات، ودققت فيها لوجدت أن كل التعبيرات التي جاءت بالفعل (جاء) أشق وأصعب مما جاء بـ (أتى)، وإليك بيان ذلك.