قال تعالى: ﴿تِلْكَ القرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كذلك يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الكافرين * وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ * ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم موسى بآياتنآ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المفسدين﴾ [الأعراف: ١٠١-١٠٣].
فانظر كيف قال في آية التوبة: ﴿أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبينات فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ ولاكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ ولم يذكر أنهم كفروا أو عوقبوا، في حين قال في آيات الأعراف: ﴿فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ﴾ فذكر عدم إيمانهم، وأنهم طُبع على قلوبهم: ﴿كذلك يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الكافرين﴾ وذكر أنه وجد أكثرهم فاسقين، وأنه لم يجد لأكثرهم عهداً، وذكر بعد ذلك ظُلْمَ فرعون وقومه لموسى وتكذيبهم بآيات الله وعاقبتهم.
فانظر موقف الأمم من الرسل في الحالتين وانظر استعمال كُلٍّ من الفعلين جاء وأتى، يتبين لك الفرق واضحاً بينهما.
ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القرون مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كذلك نَجْزِي القوم المجرمين﴾ [يونس: ١٣].
فقال: ﴿وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات﴾ وذلك أنه ذكر إهلاك القرون لظلمهم وذكر تكذيبهم وعدم إيمانهم وذكر جزاء المجرمين.
وقال: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبينات فردوا أَيْدِيَهُمْ في أفواههم وقالوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ [إبراهيم: ٩].
إلى أن يقول: {وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى الله وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ على مَآ آذَيْتُمُونَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون * وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فأوحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ