فقال في الآية الأولى: ﴿جَآءَتْهُمُ الساعة﴾ وقال في الثانية: ﴿أَتَتْكُمُ الساعة﴾.
وبأدنى تأمل يتضح الفرق بين المقامين. فإن الأولى في الآخرة وفي الذين كذبوا باليوم الآخر، وهم نادمون متحسرون على ما فرطوا في الدنيا، وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم. وتوضحه الآية قبلها وهي قوله تعالى: ﴿وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ على رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هاذا بالحق قَالُواْ بلى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * قَدْ خَسِرَ الذين كَذَّبُواْ... ﴾ [الأنعام: ٣٠-٣١]. في حين أن الثانية في الدنيا بدليل قوله: ﴿أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صادقين﴾ وقوله: ﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾ فذكر أنه يكشف ما يدعون إليه إن شاء، وهذا في الدنيا، وإلا فإن الله لا يكشف عن المشركين شيئاً في الآخرة ولا يستجيب لهم البتة.
فالموقف الأول أشق وأشد مما في الثانية، فجاء بالفعل (جاء) لما هو أصعب وأشق. ويستعمل (أتى) لما هو أخف وأيسر.
ولعل من أسباب ذلك أن الفعل (جاء) أثقل من (أتى) في اللفظ بدليل أنه لم يرد في القرآن فعل مضارع لـ (جاء) ولا أمر ولا اسم فاعل ولا اسم مفعول، ولم يرد إلا الماضي وحده بخلاف (أتى) الذي وردت كل تصريفاته، فقد ورد منه الماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول. فناسب بين ثقل اللفظ وثقل الموقف في (جاء)، وخِفَّةِ اللفظ وخفة الموقف في (أتى) والله أعلم.
ونعود إلى ما نحن فيه من قصة موسى، فقد قال في سورة النمل: ﴿فَلَمَّا جَآءَهَا﴾ وقال في سورة القصص: ﴿فَلَمَّآ أَتَاهَا﴾ ذلك أن ما قطعه