موسى على نفسه في النمل أصعب مما في القصص، فقط قطع في النمل على نفسه أن يأتيهم بخبرٍ أو شهاب قبس، في حين ترجّى ذلك في القصص. والقطع أشق وأصعب من الترجي. وأنه قطع في النمل، أنْ يأتيهم بشهابٍ قبس، أي: بشعلة من النار ساطعة مقبوسة من النار التي رآها في حين أنه ترجَّى في القصص أن يأتيهم بجمرة من النار، والأولى أصعب. ثم إن المهمة التي ستوكل إليه في النمل، أصعب وأشق مما في القصص، فإنه طُلبَ إليه في النمل، أن يُبلِّغ فرعون وقومه رسالةَ ربه، في حين طلب إليه في القصص، أن يبلغ فرعون وملأه. وتبليغُ القوم أوسعُ وأصعب من تبليغ الملأ، ذلك أن دائرة الملأ ضيقة، وهم المحيطون بفرعون في حين أن دائرة القوم واسعة، لأنهم منتشرون في المدن والقرى، وأن التعامل مع هذه الدائرة الواسعة من الناس صعب شاق، فإنهم مختلفون في الأمزجة والاستجابة والتصرف، فما في النمل أشق وأصعب، فجاء بالفعل (جاء) دون (أتى) الذي هو أخف. ويدل على ذلك قوله تعالى في سورة طه: ﴿فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ ياموسى﴾ [طه: ١١]، ذلك لأنه أمره بالذهاب إلى فرعون ولم يذكر أحداً آخر: ﴿اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى * قَالَ رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لي أَمْرِي﴾ [طه: ٢٤-٢٦].
فانظر كيف لما أرسله إلى فرعون قال: ﴿أَتَاهَا﴾، ولما أرسله إلى فرعون وملئه قال (أتاها) أيضاً في حين لما أرسله إلى فرعون وقومه قال: ﴿جَآءَهَا﴾ وأنت ترى الفرق بين الموطنين ظاهراً.
٧- ذكر في القصص جهة النداء فقال: ﴿فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ الوادي الأيمن فِي البقعة المباركة مِنَ الشجرة﴾ ولم يذكر الجهة في النمل، وذلك لأن موطنَ القصص موطنُ تفصيل، وموطن النمل موطن إيجاز كما ذكرت.


الصفحة التالية
Icon