وقال بعد ذلك: ﴿لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الكبرى﴾ [طه: ٢٣] ثم ذكر مِنَّته عليه مرة أخرى فقال: ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أخرى * إِذْ أَوْحَيْنَآ إلى أُمِّكَ مَا يوحى﴾ [طه: ٣٧-٣٨].
ويمضي في ذكر مِنَّته عليه ولم يرد مثل ذلك في النمل ولا في القصص.
فإنه لم يذكر توجيهاً له أو إرشاداً لعبادته في النمل، ولا في القصص فلم يأمره بعبادة أو صلاة أو تكليف خاص بشأنه. ثم إنه في سورة القصص وإن كان قد فَصَّلَ في ذِكْرِ ولادته ونشأته وما إلى ذلك فقد ذكرها في حالة الغيبة لا في حالة الخطاب: ﴿وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ ﴿إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ *... فَرَدَدْنَاهُ إلى أُمِّهِ *... وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ *... وَدَخَلَ المدينة﴾ في حين كان الكلام في سورة طه بصورة الخطاب. فناسب أن يقول له في (طه) ﴿أَنَاْ رَبُّكَ﴾ بخلاف ما في النمل والقصص، والله أعلم.
١١- قال في النمل: ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ﴾.
وقال في القصص: ﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ﴾.
فجاء بـ (أن) المفسرة أو المصدرية. ونظيره ما مر في قوله: (يا موسى) و (أن يا موسى).
فقوله: ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ﴾ قولٌ مباشر من رب العزة، وهو دال على التكريم. وأما قوله: ﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ﴾ فإن معناه: أنه ناداه بما تفسيره هذا أو بما معناه هذا. فأنت إذا قلت: (ناديته أن اذهب) كان المعنى ناديته بالذهاب. فقد يكون النداء بهذا اللفظ أو بغيره بخلاف قولك: (ناديته اذهب)، أي: قلت له: اذهب.
وهو نحو ما ذكرناه في قوله: (يا موسى) و (أن يا موسى) من أسباب ودواعٍ فلا داعي لتكرارها.


الصفحة التالية
Icon