١٢- قال في النمل: ﴿ياموسى لاَ تَخَفْ﴾.
وقال في القصص: ﴿ياموسى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ﴾.
بزيادة (أقبل) على ما في النمل وذلك له أكثر من سبب.
منها: أن مقام الإيجاز في النمل يستدعي عدم الإطالة، بخلاف مقام التفصيل في القصص.
ومنها: أن شيوع جو الخوف في القصص يدل على إيغال موسى في الهرب، فدعاه إلى الإقبال وعدم الخوف.
فوضع كل تعبير في مكانه الذي هو أليق به.
١٣- قال في النمل: ﴿إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ المرسلون﴾.
وقال في القصص: ﴿إِنَّكَ مِنَ الآمنين﴾.
ذلك أن المقام في سورة القصص مقام الخوف، والخائف يحتاج إلى الأمن، فأمَّنه قائلاً: ﴿إِنَّكَ مِنَ الآمنين﴾.
أما في سورة النمل فالمقام مقام التكريم والتشريف، فقال: ﴿إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ المرسلون﴾، فألمح بذلك إلى أنه منهم، وهذا تكريم وتشريف. ثم انظر كيف قال: ﴿لَدَيَّ﴾ مُشْعِراً بالقُربِ وهو زيادةٌ في التكريم والتشريف.
ثم انظر من ناحية أخرى كيف أنه لما قال في سورة النمل ﴿لَدَيَّ﴾ المفيدة للقرب ناداه بما يفيد القرب فقال: ﴿ياموسى﴾ ولم يقل: ﴿أَن ياموسى﴾ كما قال في القصص، ففصل بين المنادي والمنادَى بما يفيد البعد. وأمره أيضاً بما يفيد القرب بلا فاصل بينهما فقال: ﴿أَلْقِ عَصَاكَ﴾ ولم يقل: ﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ﴾ للدلالة على قرب المأمور منه. فناداه من قُرْبٍ وأمرَهُ من قرب، وذلك لأنه كان منه قريباً، فانظر علو هذا التعبير ورفعته.


الصفحة التالية
Icon