٣- إن ما ذكره الله من خلق الإنسانه وتطويره حتى صار مخلوقاً على أحسن هيئة، حتى قال رب العزة تعقيباً على خلقه: ﴿فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين﴾ إن ذلك ربما يوحي أنه خلقه للخلود، وأعدّه للبقاء في هذه الدنيا. وأن الموت كأنه خلاف لما أعدّه له، ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿بَعْدَ ذلك﴾، في قوله: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلك لَمَيِّتُونَ﴾، أي: إنكم بعد كل ذلك من التدبير والإحكام والإحسان في الخلق والتطوير، (وبعد ما ذكر من الأمور العجيبة) ستموتون مما يفيد استبعاد تقدير الموت عليه، ولذا اقتضى ذلك تأكيد الموت.
جاء في (روح المعاني) :"ولما تضمنت الجملة السابقة المبالغة في أنه تعالى شأنه أحكم خلق الإنسان وأتقنه، بالغ سبحانه - عز وجل - في تأكيد الجملة الدالة على موته، مع أنه غير منكر لما أن ذلك سبب لاستبعاد العقل إياه، أشدَّ استبعاد حتى يوشك أن ينكر وقوعه مَنْ لم يشاهده، وسمع أن الله - جل جلاله - أحكم خلق الإنسان وأتقنه غاية الإتقان، وهذا وجه دقيق لزيادة التأكيد في الجملة الدالة على الموت، وعدم زيادته في الجملة الدالة على البعث".
٤- إن الإنسان كثيراً ما يغفل عن الموت فينشغل بالحياة وتلهيه أمورها عما هو أَولى، ويعمل أعمال من لا يرجو الموت ولا يأمله، فلا يتعظ كما قال تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التكاثر * حتى زُرْتُمُ المقابر﴾ [التكاثر: ١-٢]، وكما قال: ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ [الشعراء: ١٢٩]. فكأنه نسي حقيقة الموت الذي سيطولُه ولا بد، فهو كأنه منكر له في أعماله،


الصفحة التالية
Icon