فنقول: نعم، فإن المؤمن قد تَعْرِضُ له غفلةٌ ينسى فيها الموت في زَحمة عمله، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من ذكر هاذم اللذات". وقال: "كفى بالموت واعظاً". فهو يحتاج إلى من يذكّره بالموت.
٦- لقد أكد الموت هذا التأكيد للدلالة على أن الإنسان، لا يتمكن من الخلود في الدنيا مهما حاول، ومهما بذل من جهد في سبيل ذلك، فإن الإنسان لا بد أن يموت، ولا سبيل إلى الخلود ههنا. فهذا إخبار بأن الإنسان لا يستطيع أن يصل إلى ما يُخَلّده، وأن محاولاته ستبوء بالفشل مهما حاول.
وهذه الآية قَطْعٌ لأطماعِ الإنسان في الخلود في الدنيا.
٧- إن الموت يستدعي التأمل والنظر، ذلك أن الإنسان يموت ويُمَات، وقد خلقه الله كذلك، وكان بمقدوره تعالى أن يخلقه على غير هذه الحالة، فلا يموت ولا يُمَات. ولو قدر ذلك له لكان هذا أكبر نقمة على البشرية أو من أكبر النقم. تصور جيشاً هائلاً من المجرمين الموغلين في الإجرام، يعجز الخَلْقُ عن إهلاكهم، كيف سيفعلون بالناس الآخرين؟ إننا مع أسباب الموت والإماتة الكثيرة نعاني ما نعاني من المجرمين، فكيف إذا كان هؤلاء أحياء خالدين لا يمكن التخلص منهم؟ كيف لو اجتمع المجرمون من كل العصور، وأخذوا يعيثون ما يعيثون في المجتمعات؟ كيف ترى أصحاب العاهات والآلام الشديدة والمعذبين الذين يتمنون الموت في كل لحظة، ليريحهم مما هُمْ فيه ولا يحصل مُتمنَّاهم هذا؟ أليس الموت نعمة لهؤلاء؟ أليس الموتُ نعمةً لأصحاب النار مثلاً؟ ألا ترى إلى قولهم: ﴿يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ﴾ [الزخرف: ٧٧].